فعلها الملك بكل جرأة، ونحن ملزمون بقولها إذا كنا نعرف فعلا مايجري ومايدور.
فعلها الملك وأنصت لصوت الشعب مثلما أنصت إليه من قبل في خطاب 9 مارس التاريخي إبان احتجاجات 20 فبراير.
فعلها الملك وخرج بيان واضح المعالم للناس في البلد يقول لهم بدون أي مواربة وبكل وضوح “لم أكن أعلم بجرائم دانييل كالفان”، وهو أمر مفروغ منه، لأنه المنطق بكل بساطة.
فعلها الملك ولم يدفن المغرب رأسه في الرمال، بل سار بشجاعة أصبحت هي سمة محمد السادس، أحب البعض ذلك أم كرهه، نحو المشكل بكل رغبة في المواجهة، وقال ما ينبغي أن يقال.
فعلها الملك وقرأ مطالب الشباب في الشارع فطبقها بالحرف. لا تصدقوا من اغتاظوا لأن الملك تجاوب مع مطالب الناس. هؤلاء اغتاظوا لأنهم يريدون أمورا أخرى. أما المغاربة العاديون فقد أحسوا بالراحة حين سماع البيان الملكي، وفهموا أن خوفنا على البلد هو خوف مشترك بين القاعدة وبين القمة، بين الملك وبين الشعب.
ماذا يقول الشعار في الشارع اليوم؟ يقول “يحيا الشعب؟”، ماذا قال الملك في بيانه ؟ قال “يحيا الشعب”. قالها بكل اللغات المفهومة وغير المفهومة، ومن يبحثون عن عبارات الاعتذار مثلما يتخيلونها في استيهاماتهم لن يجدوا منها شيئا، لكن من يبحثون عن الحزن والأسى والأسف الذي أحس به أي مغربي بعد سماع خبر العفو عن المجرم دانييل كالفان سيجدون منه الكفاية.
فعلها الملك وفتح ملف العفو وماكينة التصرف فيه قضائيا. فعلها الملك وقال إن تحقيقا كبيرا سيمس من ورط البلد في هكذا لعبة لا تخفى أهدافها على أحد.
فعلها الملك وقال إنه لو كان على علم بجرائم دانييل لما وافق على إنهاء إكمال عقوبته. فعلها الملك وقال ما ينبغي أن يقال في اللحظة التي يجب أن يقال فيها.
الآن ما العمل؟
الآن وصلنا إلى ما ابتدأنا عنده في اليوم الأول: هل نريد حق الصغار المغتصبين، ونريد سماع أسف الدولة المغربية من إطلاق سراح وحش آدمي، ونريد إصلاح مسألة العفو الملكي هاته؟
إذا كان ما نريده، وكانت غضبتنا خالصة لوجه الصغار وعائلاتهم، فقد كان لنا ما أردنا.
أم أننا نريد المزايدة فقط مثلما قال العديدون عن البعض منذ اللحظة الأولى لانفجار هذا الملف؟ هل عثر بعضنا على ماكان ييبحث عنه منذ زمن غير بعيد، ووجد “الفتيلة” الشهيرة التي لم يعثر عليها لحد الآن لكي يشعل المغرب؟
هنا لابد من الرد بحزم وبقوة وبوضح، فاللحظة ليست لحظة اكتفاء بالتعليق البسيط على فايس بوك أو التويتر ثم الهروب إلى الاختفاء وراء المجموعات المفتوحة على كل شيء.
اللحظة لحظة تدبر لما نريد فعله بالبلد. ونقولها بكل وضوح: من حقنا أن نقرر ما نريد ببلدنا، ومن حقنا أن ندخل به من أي بوابة نريد: إما بوابة إبقاء هذا التواصل حيا بين ملك وشعبه، يظهر كل مرة استجد فيها مستجد، وفرضت الظروف سماع رد الصدى بين الجهتين (مثلما وقع يوم 9 مارس 2011، ومثلما وقع اليوم)، وهذه الطريقة ستكون منفذنا للنجاة من كل تشبه بالآخرين، كل الآخرين. وإما أن نختار الرهان على المزايدة تلو المزايدة، وعلى التصعيد تلو التصعيد.
في النهاية نحن أحرار في اختيار مسارنا القادم. يكفي أن نصارح شعبنا بما نريد، أن نقدم له مطالبنا الحقيقية وأن نرى إن كان سيوافق عليها وسيتبعنا أم أن الصوت لن يبارح مجال الأنترنيت.
في انتظار الحسم واتخاذ قرار واضح، لنقلها مجددا: لقد فعلها الملك حقا، واعتذر للمغاربة اعتذار الكبار حين يحسون أن هذا الأمر لن ينتقص منهم شيئا، بل سيزيدهم الشيء الكثير.
ولنكن واضحين في الكلام مرة أخرى: نحن جميعا نخاف على بلدنا، ونحن جميعا لا نريد الزج به نحو المجهول، لذلك سنفعل المستحيل من أجل أن نتفادى الوقوع فيما وقع فيه الآخرون، وسنخوض المعركة بكل قوتنا.
شعبنا وبالتحديد تلك الأغلبية الصامتة منه، التي لا تكتب في جرائد، ولا تعرف طريقا إلى أنترنيت، لكنها تتابع، تعرف هذا الأمر جيدا، وقد كانت جد متيقظة لكل ماوقع منذ لحظة وقوعه الأول، وقد فهمت أن ثمة أمرا ما يحاك ضد البلد، وقد التقطت كل التحركات، واستوعبت كل الرسائل، وقد وجدت ضالتها يوم الأحد الفارط في البلاغ الملكي، واقتنعت بأن حماية البلد من المجهول القادم هي الأولوية الكبرى الآن.
لذلك ارتحت حين سماع البلاغ الملكي، ولذلك قالتها بكل الطرق والوسائل بعد أن بلغها النبأ: لقد فعلها محمد السادس بكل شجاعة… بحال اللي ولفناه، والسلام.