سقط القذافي بأسرع مما كان يتوقعه حكام الجزائر، فاجأهم الانهيار المدوي، ولم يحسبوا حسابه، أمدوه بالحياة، وتوقعوا "صموده" لكن تطورات المواجهات عاكست رهاناتهم.
فما كان من "صناع قرارها" إلا التعنت وإطالة أمد التوتر، ليشترطوا للاعتراف بالمجلس الانتقالي الوطني في ليبيا أو بالأحرى بثورة الأحرار، تعهد المجلس بمحاربة القاعدة، إمعانا في عنادها ومكابرتها في التعامل مع ملف الثورة الليبية، في محاولة للتغطية على مأزقها وفشلها في منع سقوط عائلة القذافي، بعد أن كانت تراهن على سيف الإسلام لتصحيح ثورة أبيه.
ليس في الجزائر دبلوماسية ولا سياسات، هناك عسكر يرسم التوجهات ويؤثر في كل مناحي الحياة، والعقلية الأمنية مهيمنة ومسيطرة، فثمة "عسكرة" للسياسة والدبلوماسية والسلطة والقرارات.
لا خوف على ليبيا الحرة بعد اليوم من القاعدة، إذ لا مستقر لها ولا لأفكارها في مجتمع حر مفتوح، في ظل حكومة منتخبة وتداول للسلطة وحرية الرأي.
من صنع القاعدة في الجزائر، حتى أصبحت تهدد دول الجوار؟ أليس إلغاء الانتخابات التشريعية في بداية التسعينيات ومصادرة خيار الشعب وذبح الديمقراطية في مهدها، كان الشرارة الأولى لتفجر الأوضاع وفوضى العنف المسلح.
زرع النظام في الجزائر بذور فكر القاعدة بسياساته وتوجهاته الأمنية القمعية، فحصد التطرف والغلو، ثم يرمي به بريئا إلى الثورة الليبية؟ حارب العقلاء، وسدَ المنافذ وحاصر المجتمع، حتى أوجد فيه تطرفا وغلوا غير مسبوقين في تاريخ الجزائر المستقلة.
هذا شرط باطل، وهو دليل إفلاس، ليس إلا تعبيرا عن حقد بعض المتنفذين من العسكر على الثورات وتوجسهم من انتقال العدوى إلى ديارهم، لإدراكهم أنهم أكبر الخاسرين من تفجرها.
عادت الجزائر الرسمية الثورة الليبية من أول يوم، وكادت لها وربما تآمرت عليها، وهالها سقوط وتهاوي نظام المعتوه القذ افي، الذي دعمت الانقلاب عليه يوما ما، لأن حكامها اليوم عادوا كل تغيير وتاجروا بالإصلاحات، وفرضوا على البلد طوقا من الجمود والحصار، أماتوا السياسة وحطموا المجتمع ونهبوا الخزائن وأفقروا الشعب.
ليست القاعدة من تهدد الجزائر حتى تشترط على ثوار ليبيا محاربتهم لها، وإنما من أزاح المجتمع وأغلق عليه المنافذ، ولا يرى فيه أهلية للشراكة السياسية ولا للاختيار الحر، يصنع له الرؤساء وينهب خيراته وينظم له الانتخابات ويسوقه إليها سوقا.
عن موقع العصر