وعن عاصم بن حميد السكوني أن معاذ بن جبل لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج يوصيه ، ومعاذ راكب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته ، فلما فرغ قال : ( يا معاذ ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري ) ، فبكى معاذ جشعاً لفراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا تبك يا معاذ ، أو أن البكاء من الشيطان ).
وعن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه ومعاذاً إلى اليمن، قال لهما : (يسرا ولا تعسرا ، وتطاوعا ولا تنفرا ) ، فقال له أبو موسى : إن لنا بأرضنا شراباً ، يصنع من العسل يقال له : البِتع ، ومن الشعير يقال له : المِزر ، قال : ( كل مسكر حرام ) ، فقال لي معاذ : كيف تقرأ القرآن ؟ قلت : أقرأه في صلاتي ، وعلى راحلتي ، وقائماً وقاعداً ، أتفوق تفوقاً ، يعني شيئاً بعد شيء ، قال : فقال معاذ : لكني أنام ثم أقوم ، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ، قال : وكأن معاذاً فضل عليه .
وعن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نعم الرجل أبو بكر ، نعم الرجل عمر ، نعم الرجل معاذ بن جبل) .
وعن معاذ قال : لقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا معاذ ! إني لأحبك في الله ) قلت : وأنا والله يا رسول الله أحبك في الله ، قال : أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة : رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .
وعن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال: كان الذين يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من المهاجرين : عمر وعثمان وعلي ، وثلاثة من الأنصار : أبي بن كعب ومعاذ وزيد .
بقي يعلم الناس الخير في اليمن ، ثم هاجر إلى الشام فكان بها حتى مات بعدما استخلفه أبو عبيدة حين طعن – أصابه الطاعون - ثم طعن بعده .
وروى موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال : خطب عمر الناس بالجابية فقال : من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل .
وقال عمر : إن معاذاً يبعث أمام العلماء بربوة .
وقال ابن مسعود : كنا نشبهه بإبراهيم الخليل ، وقال أيضاً : إن معاذاً كان قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين .
وعن أبي قلابة وغيره أن فلاناً مر به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أوصوني ، فجعلوا يوصونه ، وكان معاذ بن جبل في آخر القوم ، فقال : أوصني يرحمك الله ، قال : قد أوصوك فلم يألوا ، وإن سأجمع لك أمرك : اعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أفقر ، فابدأ بنصيبك من الآخرة ، فإنه سيمر بك على نصيبك من الدنيا فينتظمه ، ثم يزول معك أينما زلت .
وعن معاذ قال : ما بزقت على يميني منذ أسلمت .
وعن سعيد بن المسيب قال : قبض معاذ وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ، وتوفي سنة ثمان عشرة رضي الله عنه .