موحى الأطلس
عندما تقع بعض الأحداث يتحول الجميع إلى محللين سياسيين وخبراء، ويتساوى في ذلك الأستاذ الجامعي، الذي تؤدي له القنوات التلفزية مبالغ مالية نظير ظهوره على الشاشة، والنادل في المقهى، الذي يبيع تحليلاته مجانا، وتستوي هاته بتلك في التسطيح، وكلما تم التحليل بناء على الإنشاء كلما كان كارثيا، فالتحليل ينبغي أن يبنى على المعلومات والمعطيات.
مناسبة هذا الكلام ما قيل عن العفو الملكي الصادر في حق الإسباني دانيال، حيث انبرت الأقلام المغرضة التي وجدتها فرصة سانحة وظهرت الكتابات على المواقع الاجتماعية ودعت جهات معينة إلى تنظيم وقفات احتجاجية والمطالبة بإلغاء العفو، (انبرت) كلها للحديث عن هذا الموضوع معتبرة أن العفو هو إهانة للمغاربة وانتهاك لأعراض الأطفال وغيرها من الأقوال التي كثرت.
أولا ينبغي أن نعرف أن العفو من اختصاص الملك، وله مساطر وقواعد، ويتوفر على لجنة خاصة تنظر في اللوائح وتتكون من وزير العدل والحريات أو من ينوب عنه ومدير الديوان الملكي أو من ينوب عنه ورئيس المجلس الأعلى أو من ينوب عنه ومدير الشؤون الجنائية والعفو أو من ينوب عنه ومدير السجون أو من ينوب عنه، وللعفو درجات وسلم يخضع له، والعفو عن الإسبان يدخل في إطار العفو عن المجموع دون النظر إلى تفاصيل اللائحة، ولائحة الإسبان مكونة من حوالي 48 معتقلا في المغرب، وتقدم باللائحة، التي أعدتها وزارة العدل الإسبانية، العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس أثناء زيارته للمغرب.
فكل الذين فتحوا أفواههم بالكلام وبالتصريحات في القنوات والإذاعات والصحف لم يتكلم واحد منهم عن خلفيات الموضوع وعن طبيعة العفو عن الأجانب وهل هي مشابهة لنظيرتها في العفو عن المغاربة، ونسي جميع المتحدثين أن العفو عن الأجانب مقسم إلى قسمين، الأول شبيه بالعفو عن المغاربة حيث يتم العفو عن شخص لأسباب إنسانية، أما الثاني وهو الذي يهمنا وهو العفو الذي يخضع لمساطر خاصة تعكس الطابع الاستراتيجي للعلاقات الديبلوماسية بين البلدين، ولا يمكن الإغفال عن طبيعة العلاقات المغربية الإسبانية التي تجاوزت منذ زمن بعيد مستوى العلاقات التقليدية إلى العلاقات الإستراتيجية.
وما دامت قضية العفو عن دانيال الموجود اسمه ضمن لائحة تقدم بها العاهل الإسباني للملك فإنه لا مجال للحديث عن مجاملة أو غيرها، ولكنه عفو في إطار المصالح الإستراتيجية للمغرب في سياق علاقته مع إسبانيا. وإذا كان الملك يتوفر على حق العفو فإنه في هذه القضية مارس حقه في العفو بناء على طلب ملك دولة لها علاقات استراتيجية مع المغرب أي إسبانيا وملكها خوان كارلوس، الذي تقدم بهذا الطلب أثناء قيامه بزيارة رسمية للمغرب.
من جهة أخرى فإن المتحدثين لم يوردوا في أي سياق أن المعني بالأمر يعاني من مرض السرطان وقد تضاعفت حالته في السجن، بالإضافة إلى التعبير عن الندم والاعتذار للضحايا. لكن المصطادين في الماء العكر يصرون على أنه ما كان ينبغي العفو عنه حماية لحقوق الأطفال، ناسين أن اشد من يحمي حقوق الطفل في المغرب هو الملك من خلال تشريعات وقوانين وبرامج ومشاريع في خدمة الطفول
وكما يقال "من اللي تطيخ البقرة يكثروا السكاكن"، فبمجرد سماع الخبر حتى انتفض بعض من لا يهمهم من القضية سوى المزايدة على النظام وتشويه سمعة المغرب، حيث لا يمكن اعتبار هذه الحركية عفوية ولكنها منظمة ومرتبة واستغلت القضية فقط في محاولات يائسة لتأجيج حماس الجماهير الغاضبة من القضية لأنها لا تعرف خلفياتها وكان على وزير العدل أن يوضح الموضوع عوض أن يقول إن اللائحة جاءته من الديوان الملكي.
وليس المغرب بدعا من الدول ولكنه يطبق الأعراف الديبلوماسية ويحرص عليها خصوصا إذا تعلق الأمر بدولة لها علاقات إستراتيجية مع المغرب. وقد سبق لملك كمبودج أن عفا عن مواطن روسي متهم باغتصاب فتيات وذلك بناء على طلب من رئيس وزراء بلاده. كما قام الرئيس التشادي بالعفو عن عضوي منظمة فرنسية متهمين باختطاف أطفال. وأقدم بيل كلينتون الرئيس الأمريكي السابق على إصدار عفو عن مواطن أمريكي متهم باغتصاب 12 طفلا بعد قضائه سنوات في السجن.