بدت مفاجأة الدعوة التي وجهها وزير الدفاع المصري إلى المصريين من أجل التظاهر لمنحه تفويضا من أجل مواجهة العنف والإرهاب، على الأقل بالنسبة للكثيرين ممن كانوا يعتقدون أن حفظ أمن المصريين واستقرار البلاد هو من صميم الاختصاصات الطبيعية للسلطة الانتقالية الجديدة التي يعتبر الجيش أحد مرافقها الحيوية.
لذلك ستكون مبادرة السيسي غير مفهومة من زاوية القراءة المؤسساتية، لكنها قد تكون كذلك إذا ما أخذت من زاوية ضيق صدر المؤسسة العسكرية تجاه المواقف المتشددة للإخوان منذ فقدوا السلطة، فهم لم يعودوا يكتفون فقط بالطعن في شرعية السلطة الجديدة ورفض أي اعتراف أو استعداد للمصالحة الوطنية، بل بدؤوا في التخطيط للانشقاق المعنوي في صفوف القوات المسلحة، بالموازاة مع تنامي تسليح الجماعة وتنظيم عملياتها العسكرية، ونشر ثقافة الاستشهاد وسط قواعدها الاجتماعية.
ومهما تكن هناك من مبررات، فإن دعوة السيسي للمصريين إلي التظاهر من أجل منحه تفويض مواجهة العنف والإرهاب هي دعوة في غير محلها، لأنها أولا تعزز مواقف الذين يعتبرون ما حدث في الثلاثين من يونيو الماضي انقلابا على الشرعية، وهي ثانيا تجر مصر إلي مزيد من الاحتقان الشعبي الذي لا أحد يعرف إلي أين سينتهي به الضغط، وهي ثالثا تشبه التوقيع على شيك على بياض، لا أحد يعرف كيف سيتم صرفه وبأي سقف أو حدود.
يتخوف الكثيرون في مصر من أن تكون دعوة الجيش في نهاية المطاف تنصيبا لديكتاتورية جديدة باسم الحرب على العنف والإرهاب، وتتعزز مواقف هؤلاء بالتوجس مما يعنيه الجيش بهذه الحرب، هل هي فرض لحالة الطوارئ،؟ أم تدشين حملة اعتقالات تعيد ملء السجون بأنصار مرسي ومحمد بديع؟، أم هي حرب مفتوحة في سيناء على المجموعات المسلحة؟… وفي كل الحالات يستحيل الجمع بين الحرب على الإرهاب وبناء الديمقراطية، خصوصا في البلدان التي تعرف حدة في الإحتقان الإيديولوجي والسياسي، وفوضى في السلاح.
في الثلاثين من يونيو، كان الجيش المصري صاحب إرادة صادقة في حماية أمن البلد واستقراره، ولذك تردد كثيرون، من المهتمين بعمق الأشياء وأبعادها وليس المشتغلين على قشور المظاهر وشعاراتها الوجدانية، في توصيف ما حصل بأنه انقلاب عسكري أو انقلاب على الشرعية، لكن الجيش المصري يقلق المتعاطفين معه في الآونة الأخيرة بكثرة أخطاء الهواية ونقص الاحترافية في قرارات سياسية تزيد الوضع المصري اشتعالا.
لقد أخطأ السيسي حين وضع البرادعي في منصب نائب رئيس الجمهورية ومنح حزب الدستور الذي يرأسه ما يناهز الخمس حقائب وزارية فيما يشبه انتزاعا للسلطة من تيار ومنحها لتيار آخر ضدا على موقف الحياد والوساطة المفروضة في تدخل الجيش، ثم أخطأ السيسي حين شن حملة اعتقالات عشوائية ومتابعات انتقائية تشبه عمليات الإنتقام ما جعل الجماعة في موقع الضحية، وها هو السيسي يخطئ من جديد بتخطي حدود الجيش وهو يدعو المصريين إلى التظاهر لمنحه تفويضا يبدو لخصومه إعلان حرب وتنصيبا لطاغية جديد.
باختصار، كان الجيش المصري في الثلاثين من يونيو صاحب رسالة سياسية نبيلة، لكن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بدا في الأيام الماضية رجل هواية وحرب سرعان ما أسقطته جماعة الإخوان المسلمين في فخ ردود الفعل التكتيكية الغاضبة الناتجة عن إحساس بافتقاد الثقة في النفس.