حمادي التازي.
يوما عن يوم تقدم قناة "الجزيرة " صورة عن نفسها بأنها ،فعلا ، جزيرة ، بالرغم من توفرها على جميع الإمكانيات المادية والبشرية واللوجيستيكية التي تجعل منها وسيلة إعلامية رائدة . ولحد الساعة، لا يمكنها أن تكون كذلك ما دام أن نظرة "الإخوان " قاصرة على النظر أبعد من أنفها، أو لنقل أنها مصابة بعمى الألوان الذي يحول دون الرؤية السليمة لما يجري أمامها من أحداث.
ما زالت القناة المذكورة ترى فيما وقع من هزات واقتتال، بل وانتحار، في بعض بلدان شمال افريقيا والخليج ، ثورات سرعان ما أطلقت عليه مصطلح "الربيع العربي " الذي تلوكه الألسن عن دون وعي بالمفهوم الحقيقي للثورة ، ليتضح أن القناة ،وأصحاب القناة ، ومن يمولون القناة ، هم من عملوا على استنبات الربيع في صحراء قاحلة من التخلف والاستبداد ..
وبما أن هذا الربيع لم يظهر له أثر بالرغم من جميع أنواع والسقي المستوردة بملايين الدولارات ، فإن القناة تحولت إلى قناة ري على أمل أن يزهر الربيع وتنمو ثمراته ليقطفها الساهرون عليها آناء الليل وأطراف النهار.
تقول "الجزيرة " أنه في الوقت الذي كان سيزهر فيه "الربيع العربي"، إذا بنا نشاهد انقلابا على الديمقراطية في مصر، وتونس، والمغرب.
إن ما حدث في مصر لا يدخل في خانة الانقلاب بالمفهوم الضيق / القدحي للكلمة ، بقدر ما هو إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي الذي خرج عنه حكم "الإخوان " الذين منحهم الشعب المصري ثقته من أجل الخروج بالبلاد من حالة "الجفاف " القاتل الذي كانت تمر به ، خاصة بعد أن ركب الرئيس المخلوع محمد مرسي و"إخوانه " رؤوسهم، وأصروا على إخراج البلاد من وسطها الطبيعي الذي تعيش وتتفاعل فيه ، وذلك من خلال سياسات كادت أن تجعل من مصر تلك القرية الخاوية على عروشها ، وكأن البلاد تفتقر إلى الكفاءات والخبرات المؤهلة لقيادتها إلى بر الأمان والاستقرار. فكان لا بد من التحرك لإعادة الأمور إلى نصابها . ونفس الشيء، تقريبا، يسري على تونس التي ما زالت تبحث عن نفسها وسط وضع تتجاذبه مختلف التيارات المذهبية والسياسية التي تقوم على محورين أساسيين: الإسلاميون على اليمين، والعلمانيون على اليسار، وما بينهما منزلة بين المنزلين، بدون أن ننسى أن البلدين يشتركان في شيء واحد هو معاناتهما الطويلة من أنظمة استبدادية ، ديكتاتورية جاءت ثورة الشباب فأسقطتها ، فركب عليها "الإخوان " لتحريف مسارها .
أما بالنسبة للمغرب ،فإنه لم يعرف فترات فراغ دستوري ؛ دائما كانت الاستمرارية بالرغم من الظروف التي مر منها ، بل إن المملكة المغربية من البلدان القليلة جدا في المنطقة التي عرفت مسلسل إصلاحات طويل ما زال ممتدا إلى الوقت الراهن . وكلما شعر المغاربة أن هناك حاجة لتغيير أو تعديل في الدستور ، يتم فتح نقاش واسع تشارك فيه مختلف الفعاليات الحزبية والسياسية والنقابية والجمعوية قبل اللجوء إلى إجراء استفتاء على النص الدستوري ، كان آخره الذي تم في فاتح يوليوز 2011 ، أسفر عن انتخابات أعطت الأغلبية لحزب إسلامي شكل ائتلافا مع أحزاب أخرى لتكوين حكومة طبقا للمنهجية الديمقراطية التي تقول بتولي الحزب الذي يحتل المرتبة الأولى في الانتخابات رئاسة الحكومة . وهو الواقع حاليا .
إذن ، أين هو الانقلاب ضد الديمقراطية الذي اخترعه منظرو قناة "الجزيرة " ؟ إنهم "محللون" ينطلقون في تنظيراتهم من خيال أفكارهم أو من خلفيات مبيتة ،من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على تاريخ المغرب السياسي الذي - نقولها للمرة الألف - يبقى متميزا عن تاريخ منطقة الشرق الأوسط بكاملها ، ومن تم لا يتورعون في وضع الجميع في سلة واحدة .
إن ما وقع في مصر أو في تونس أو الذي يقع في ليبيا لا يمكن نسخه على بلدان أخرى ، ومنها المغرب الذي راكم ما يكفي من التجارب الديمقراطية التي تؤهله اليوم ليكون مرجعا للآخرين ، بمن فيهم منظرو جزيرة "الجزيرة " . فالمغرب يعيش ربيعه على امتداد التاريخ والفصول