عبد الرحمن بن عوف، أحد العشرة ، وأحد الستة أهل الشورى ، وأحد السابقين البدريين القرشي الزهري . وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام .
وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو ، وقيل عبد الكعبة ، فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن .
قال عنه ابن عباس : جلسنا مع عمر ، فقال:هل سمعت عن رسول الله صلىالله عليه وسلم شيئاً أمر به المرءَ المسلم إذا سها في صلاته ، كيف يصنع ؟ فقلت : لا والله ، أوسمعتَ أنت يا أمير المؤمنين من رسول الله في ذلك شيئاً ؟ فقال: لا والله . فبينا نحن في ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف فقال : فيم أنتما ؟ فقال عمر : سألتُه ، فأخبره . فقال له عبد الرحمن : لكني قد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر في ذلك ، فقال له عمر: فأنت عندنا عدلٌ، فماسمعت؟ قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا سها أحدُكم في صلاته حتى لا يدري أزاد أم نقص ، فإن كان شكَ في الواحدة و الثنتين فليجعلها واحدة ، و إذا شك في الثنتين أ والثلاث فليجعلها ثنتين ، و إذا شك في الثلاث و الأربع فليجعلها ثلاثاً حتى يكونَ الوهم في الزيادة ، ثم يسجد سجدتين ، وهو جالس ، قبل أن يسلِّم ثم يسلِّم}.
فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و إن كانوا عدولاً فبعضهم أعدل من بعض و أثبت، فهنا عمرُ قنع بخبر عبد الرحمن ، وفي قصة الاستئذان يقول: ائت بمن يشهد معك ، وعليّ بن أبي طالب يقول : كان إذا حدثني رجل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحلفته ، وحدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر . فلم يَحتج علي أن يستحلف الصديق ، و الله أعلم.
قال المدائني : وُلد عبد الرحمن بعدعام الفيل بعشر سنين .
عن ابن اسحاق قال : كان ساقط الثنتين ، اهتم ، أعسر ، أعرج ، كان أصيب يوم أحد فهُتِمَ ، وجُرح عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج .
قال عثمان: ما يستطيع أحدٌ أن يعتدَّ على هذا الشيخ فضلاً في الهجرتين جميعاً .
ومن مناقبه: أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة ، و أنه من أهل بدر، ومن أهل هذه الآية:{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه .
عن عمرو بن وهب الثقفي قال : كنا مع المغيرة بن شعبة ، فسئل : هل أم النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ من هذه الأمة غيرُ أبي بكر ؟ فقال : نعم . فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ، ومسح على خُفيه و عمامته ، و أنه صلى خلفَ عبد الرحمن بن عوف ، وأنا معه، رَكعة من الصبح ، وقضينا الركعة التي سُبقنا .
وعن قتادة :{ الذين يلمزون المُطوعين من المؤمنين في الصدقات } التوبة 79قال : تصدَق عبدُ الرحمن بن عوف بشطر ماله أربعة آلاف دينار . فقال أناسٌ من المنافقين : إن عبد الرحمن لعظيم الرياء .
وعن شقيق قال : دخل عبد الرحمن على أمِّ سلمة فقال : يا أمَّ المؤمنين ! إني أخشى أن أكون قد هلكت ، إني من أكثر قريش مالاً ، بعتُ أرضاً لي بأربعين ألف دينار . قالت : يابنيَّ ! أنفق، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من أصحابي من لن يراني بعد أن أفارقه)) فأتيتُ عمر فأخبرته ،فأتاها، فقال : بالله أنا منهم ؟ قالت : اللهم لا ، ولن أبرئ أحداً بعدك .
وعن أبي هريرة قال : كان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( دعوا لي أصحابي أو أصيحابي ، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً لم يُدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصيفه)) .
وعنه أيضاً أن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال : (( خيارُكم خيارُكم لنسائي ))، فأوصى لهنَّ عبدُ الرحمن بحديقة قُومت بأربع مئة ألف .
ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزلُه نفسه من الأمر وقت الشورى ، و اختياره للأمة من أشار به أهلُ الحلِّ و العقد ، فنهض في ذلك أتمََ نهوض على جمع الأمة على عثمان ، ولو كان محابياً فيها لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص .
وعن إبراهيم بن عبد الرحمن ، قال : غُشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه حتى ظنُّوا أنه قد فاضت نفسه ، حتى قاموا من عنده ، وجلَّلوه ، فأفاق يكبر ، فكبَّر أهلُ البيت ، ثم قال لهم : غُشِي علي آنفاً ؟ قالوا : نعم، قال : صدقتم ! انطلق بي في غَشيتي رجلان أجد فيهما شدة و فظاظة ، فقالا : انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين ، فانطلقا بي حتى لقيا رجلاً ، قال :أين تذهبان بهذا ؟ قالا : نحاكمه إلى العزيز الأمين ، فقال : ارجعا فإنه من الذين كتب لهم السعادة و المغفرة وهم في بطون أمهاتهم ، و إنه سَيُمتَّع به بنوه إلى ماشاء الله ، فعاش بعد ذلك شهراً .
وقال إبراهيم بن سعد عن أبيه ، عن جده ، سمع عليَّاً يقول يوم مات عبد الرحمن بن عوف : اذهب ياابن عوف ! فقد أدركت صفوها وسَبقتَ رنقها .الرنق : الكدر.
وعن أنس قال : رأيتُ عبد الرحمن بن عوف ، قُسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مئة ألف .
ولما هاجر إلى المدينة فقيراً لا شيء له آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع أحد النُّقباء ، فعرض عليه أن يُشاطِرهُ نعمته ، و أن يطلِّق له أحسنَ زوجتيه ، فقال له : بارك الله لك في أهلك ومالِك ، ولكن دُلني على السوق ، فذهب فباع واشترى وربح ، ثم لم ينشب أن صار معه دراهم ، فتزوج امرأة على زِنَة نواةٍ من ذهب ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( أولِم ولو بشاة ))، ثم آل أمره في التجارة إلى ما آل .
وفاته: سنة اثنتين و ثلاثين ، ودُفن بالبقيع .