إن التاريخ المعاصر لكثير من الكيانات السياسية مليء بالصراعات الدموية والحروب الأهلية التي قامت بين أبناء البلد الواحد الذي فتكت به الاصطفافات الطائفية لأبنائه، ويمكن أن نضرب كمثال على هذا: الحالة اللبنانية ( سنة ، شيعة، مسيحيين، دروز ... ) التي اكتوى أهلها بنار الحرب الأهلية طوال 15 سنة، والحالة العراقية ( سنة، شيعة، مسيحيين ... ) التي تشهد نوعا من الاقتتال الطائفي غير المعلن رسميا، وإلا فإنه في واقع يمكن الحديث عن حرب طائفية تجري فعليا منذ سقوط نظام صدام حسين العربي رغم مساوئه المتعددة في الماضي، وأخيرا عندنا الحالة النيجيرية الإفريقية، حيث كانت نيجيريا إلى وقت قريب ذات أغلبية المسلمة، ولكن نظرا لتزايد النشاط التنصيري بها من طرف المؤسسات التنصيرية العالمية خاصة في العشرين سنة الأخيرة، صار للنصارى تواجد عددي مهم الأمر الذي شجعهم على ارتكاب مجازر بشعة بحق المسلمين منذ أكثر من شهرين، هذا بالرغم ما تدعيه الكنيسة على أن مبادئها تقوم على(( المحبة )) زعموا، وإلا فإن تاريخ محاكم التفتيش بالأندلس والحروب الصلبية خير شاهد على زيف ادعاءات المحبة هذه. فهل يريد المغاربة ساسة، ومسؤولون، ومجتمع بمختلف هيئاته السياسية والمدنية والدينية، أن يصير المغرب، بعد تاريخه الطويل، دولة طائفية؟ الجواب قطعا سيكون، إذا راعينا مصالح البلد العليا، سيكون بالنفي، لكن لماذا هذا النفي القطعي والجازم؟. إن السبب وراء جوابنا بالنفي تسنده العديد من الحقائق، منها ما هو تاريخي، كما أسلفنا وأشرنا لذلك في مقدمة كلامنا، ومنها ما هو دستوري قانوني وهو الذي سنتطرق إليه فيما يلي:
1) الدستور المغربي ينص على وحدة الدين في المملكة المغربية، وأن الدين الرسمي للمملكة هو الإسلام، وأن الملك هو أميرا للمؤمنين وحامي حمى الدين.
تنص ديباجة الدستور المغربي على مايلي:
تصدير المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب العربي الكبير. هذه الديباجة الموجودة في نص الدستور المغربي لم تأت من فراغ، بل أتت بناء على الحقائق التاريخة الراسخة لهذا البلد وهو: أنه دولة إسلامية يتوراث ذلك المغاربة، و أمراء وملوك المغرب كابرا عن كابرا، ولم ينازعهم في ذلك احد، لا من داخل البلد ولا من خارجه، فكيف يمكن ان نقبل اليوم أن يكون هناك دين أخر يحظى بالاعتراف الرسمي؟ الأمر الذي يفرض على الجهات العليا الحاكمة كي تضمن دستورية ذلك الاعتراف، أن تقدم على خطوة دستورية، جد صعبة إن لم نقل مستحيلة، تروم من خلالها تغيير ديباجة الدستور الحالي، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم نظرا للصعوبات الجمة التي تعترضه، إضافة إلى الانعكاسات التي ستكون لذلك التعديل على بعض فقرات الدستور المتعلقة بإمارة المؤمنين وطرق الاستخلاف وتوريث العرش العلوي. ويوضح هذا الأمر أكثر، ما جاء في الفصل السادس من الدستور حيث ينص على مايلي: الفصل السادس الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية. والكلام الذي قلناه بخصوص ديباجة الدستور ينسحب ويصدق أيضا على الفصل السادس منه، الذي يلزم تغييره هو أيضا، كي يمكننا الحديث عن إمكانية التعددية الدينية والطائفية بالمملكة، وهذا من المستحيلات كما أسلفنا الذكر. أما الفصل التاسع عشر، فهو السد المنيع وراء أي تفكير ولو من قبيل الحلم في إمكانية إدخال أي تعديل على دستور المملكة الشريفة المتعلق بوحدة الدين و التأسيس للتعددية الدينية كما يطمح إلى ذلك المنصرين والمتنصرين بالمغرب، وذلك كما قلنا مرده إلى الحقيقة التاريخية الساطعة في كون المغاربة منذ الفتح ، واستقرار الدولة الإسلامية المغربية كانوا مسلمين، مع ما يعنيه ذلك من خصائص الدولة الإسلامية التي تتميز بضمان أحقية أهل الذمة في ممارسة شعائرهم الدينية، ومعنى هذا أن يكون أولئك الذميون على دينهم، اليهودية أو النصرانية، قبل مجيء الإسلام، فإذا كان الأمر كذلك فهو كذلك، أما أن يكون الأمر قائم على تنصير المسلمين، واستعمال أخبث الطرق في ذلك، من استغلال حاجة البعض منهم من فقر، أو مرض، فيتم اغواء أفرادا من المغاربة بدراهم معدودات، فذلك لم يكن ولم يثبت تاريخيا أن مغاربة كانوا مسلمين وتنصروا، أوسمح لهم بذلك من قبل أي دولة حكمت المغرب من قبل، فكيف يمكن ان يُسمح به اليوم، خاصة وقد سار على هذا أيضا الملوك العلويين الأشراف؟. ينص الفصل التاسع عشر من دستور المملكة المغربية الشريفة، الذي ربط بين الملكية وبين إمارة المؤمنين، ذات البعد الإسلامي العميق، برباط وثيق بحيث لا يمكن أن يتصور أحدهما دون الأخر، على ما يلي: الباب الثاني الملكية الفصل التاسع عشر الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي .حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات .
وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة في الواقع ليس عندي كلام يمكن أن أضيفه بعد الكلام الوارد في الفصل التاسع من دستور المملكة، إلا أن أقول ان فصل الملكية عن إمارة المؤمنين ذات البعد الإسلامي العميق، هو من سابع المستحيلات. أما الفصل العشرون، المتعلق بتوريث العرش العلوي ومعه تنتقل إمارة المؤمنين في عقب العلويين الاشراف فهو ينص على الآتي: الفصل العشرون إن عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد الذكر الأكبر سنا من ذرية جلالة الملك الحسن الثاني، ثم إلى ابنه الأكبر سنا وهكذا ما تعاقبوا، ما عدا إذا عين الملك قيد حياته خلفا له ولدا آخر من أبنائه غير الولد الأكبر سنا، فإن لم يكن ولد ذكر من ذرية الملك فالملك .ينتقل إلى أقرب أقربائه من جهة الذكور ثم إلى ابنه طبق الترتيب والشروط السابقة الذكر . وعليه فإني أقول وأجزم بهذا، انه لا يمكن ان يكون هناك مستقبل للطائفية أو التعددية الدينية في المملكة الشريفة، وان الذين يسعون لتغيير التركيبة الدينية بالمغرب، سواء تعلق الأمر بدعاة التنصير بمختلف مؤسساتهم وهيئاتهم الكنسية، المختلفة العقائد والنحل، العاملين بالمغرب الحبيب، أو تعلق الأمر بمروجي معتقد الشيعة الاثناعشرية ( الرافضة )، عليهم أن يعلموا ويتيقنوا بأنه لا مستقبل لهم كي يتواجدوا كطوائف دينية، أو أن يحظوا بأي اعتراف دستوري رسمي، لأن الأمر برمته يغدو عملا خارج الدستور وخارج القانون، ولكون عملهم الدعائي يتم في ظروف اقتصادية واجتماعية للجهات المستهدفة من قبلهم، أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه عمل شيطاني، يستغل حاجة الناس وعوزهم المادي كي يغيروا معتقدهم، وهو ما نص القانون المغربي على تجريمه، وتعريض صاحبه للمساءلة القانونية مع ما يترتب عن ذلك من انعكاسات. 2) القانون المغرب يجرم أي عمل يهدف إلى زعزة عقيدة مسلم. لقد نص الفصل 220 من القانون الجنائي المغربي على أن “من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها أو منعه عن ذلك، يعاقب بالحبس بستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من مائة إلى 500 درهم، ويعاقب بنفس العقوبات كل من استعمل وسائل إغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة، واستغلال مؤسسة التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم، ويجوز أن يحكم بإغلاق المؤسسة التي استغلت لهذا الغرض، إما بصفة نهائية أو لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات”.