حمادي التازي
ما حدث في مصر كان لا بد أن يثير حفيظة الذين ارتاحوا كثيرا وعبروا عن ارتياحهم بالصمت الرهيب والمتواطئ إزاء التجاوزات الكبيرة والفظيعة التي ارتكبها نظام "الإخوان" في حق الشعب المصري.
نعم، فاز "الإخوان " بأصوات الشعب الذي منح ثقته لهم، وفازوا عن طريق العملية الديمقراطية. لكن، هل وضع هؤلاء "الإخوان " ثقة الشعب أمام أعينهم وهم يتربعون على كراسي السلطة والحكم ؟ وهل احترموا تلك الديمقراطية التي مكنتهم من الحكم والسلطة وإن كانوا لا يومنون بها في الأصل ؟
حتى الزعيم النازي ،هتلر، وصل إلى الحكم بطريقة ديمقراطية سليمة ، ليتسبب هذا "الديمقراطي" في تدمير بلده وإبادة شعبه ومحاولة جر العالم كله إلى الفناء . وهناك هتلرات في الزمن الحالي ،لكنهم لن يكونوا أبدا ديمقراطيين ما داموا يحملون في جوفهم ديكتاتورا صغيرا ينمو و يحبو ويترعرع ويكبر داخل الأجواء الديمقراطية التي يستغلها لتحقيق طموحاته وتطلعاته ، فينقلب على الجميع . وهذا ما حدث بالضبط في مصر، وسيحدث في غير مصر.
كان من الأجدر على عبد الله الشباني ، العضو القيادي في جماعة العدل والإحسان ، أن يقرأ ما جرى في مصر بكل تجرد وموضوعية ، بل بكل ورع ، إذا أراد أن يعرف الوضع خارج الولاءات والخلفيات العمياء التي تفضح صاحبها عند كل سطر فيما كتبه عن "قومات البناء" ، ليتبين له أن "الإخوان " كشفوا حقيقة ،ربما، لم يكن يعرفها حتى الذين منحوهم أصواتهم وثقتهم في الانتخابات ، تتمثل في أنهم غير مؤهلين للحكم ، "والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ".
عوض "الدخول والخروج " في اجترار كلام ممل عن الرعوية، والحداثة، والاستبداد، ومؤسسات الدولة ، والغرب و.. و... كان من الأنسب لعبد الله بن عبد الله الشباني ، أن يحدثنا عن الأسباب الحقيقية لفشل تجربة "الإخوان " في حكم بلد كمصر ، وقيادة شعب كالمصريين الذين سئموا ، فعلا ، ديكتاتورية العسكر منذ الانقلاب على الملكية من طرف جمال عبد الناصر وزمرته، وكان كل أملهم في "الإخوان " الذين قلبوا لهم ظهر المجن بمجرد استلام مقاليد الحكم والسلطة ، ووظفوها لخدمة أغراضهم وأغراض تابعيهم وسدنتهم تاركين الشعب قابعا أو تائها في صحراء الانتظار؛ ولما بلغ السكين العظم ، هب في قومة لا تبقي ولا تذر للإطاحة بحاكمهم . أليسوا هم (الشعب) من رفعوا مرسي و"إخوانه" إلى أعلى عليين ؟ ومن يمنعهم من إنزاله إلى أسفل سافلين ؟
هذه هي المعادلة السهلة الممتنعة التي لم يستوعبها بعض أو كثير من "الإخوان" من مختلف الطرق والشيع والأحزاب والجماعات التي تكفر بعضها بعضا، بل تلعن بعضها بعضا حينما تتضارب مصالحهم.
إن الخير، كل الخير، فيما حصل بمصر هو هذه القومة التي ما كان لها أن تتأخر، وإلا فالله وحده يعلم أي منحدر كانت تسير نحوه مصر.
نطرح هذا السؤال بكل عفوية وحسن نية: لماذا لم ينطق أي "إخواني" من بطانة الحاكم التي من المفروض أن تعينه على الخير وتدله إليه، من باب النصح والنصيحة للحاكم بأمره قبل أن تقع الفأس في الرأس ؟
إن الإسلاميين لم ينقلبوا على الديمقراطية، بل انقلبوا على أنفسهم أولا، بتنكرهم للشعارات والمبادئ التي صعدوا على أساسها لسدة الحكم، وانقلبوا على شعبهم ثانيا، بإدارة ظهورهم إليه وغض الطرف عن انتظارا تهم وتطلعاتهم المشروعة ، وانقلابهم ثالثا على بلدهم الذي كان ينتظر منهم إخراجه من عنق الزجاجة بدل إغراقه في متاهات لا قبل له بها ، وفي تحالفات لا تراعي مصلحته ولا حرمته.. فكانت بشرى الانقلاب على الديكتاتورية والاستبداد .
"أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب" ؟