حمادي التازي
كان من الأجدر بالشيخ يوسف القرضاوي ألا يصدر فتوى أو يبعثها لمن يهمهم الأمر، لأن ما كان كان ،ولأن لا أحد سيستجيب لها بعد أن بلغ السكين العظم.
فتوى القرضاوي لم تسمع (بضم التاء) من له لآذان ،فبالأحرى من به صمم. هذا ولده؛ فلذة كبده عبد الرحمن يقول في رسالة له : "عفوا أبي.. مرسي لا شرعية له."
العالم كله ، بمن فيهم الغربيون ،الذين نستشهد بدمقراطيتهم ، حثوا محمد مرسي على الانسحاب قبل انقضاء المهلة التي كان الجيش قد حددها له وباقي الفرقاء للتفاهم من أجل الخروج من عنق الزجاجة .. لكن "الإخوان" تناجوا فيما بينهم وأوحوا لرئيسهم بالوقوف في وجه الجيش، والأحزاب، والمجتمع المدني، وأبناء الشعب المصري الذين رددوا كلمة واحدة لا محيد لهم عنها: "ارحل ! " وعوض أن يقرأ مرسي الرسالة من جميع أوجهها ، فضل أن يوجه رسالة / خطاب أقسم فيها بأغلظ الأيمان بأن لا يترك القصر ولا الرئاسة , ودبجها بالوعد والوعيد لكل من يعصي أمره.
الشيخ القرضاوي هو الآخر لم يستوعب الرسالة : رسالة الشعب ، فسار ضد التيار ، وأصدر فتوى تقول "بوجوب بقاء محمد مرسي رئيسا لمصر" ، وبأنه " منتخب دمقراطيا، ويجب أن يستمر طوال مدته المقررة له.." ، وكان "يجب تصحيح أخطائه بالنصيحة والصبر.." ، و"الخروج على الرئيس عملا باطلا " ، متسائلا مع نفسه : " أفنصبر على حسني مبارك ثلاثين سنة ، ولا نصبر على محمد مرسي سنة واحدة؟ " .
نعم ، محمد مرسي رئيس منتخب. لم يجادل في ذلك أحد، بل جادلوه في طريقة وأسلوب حكمه ، واتضح أن الرجل الذي تم انتخابه بطريقة دمقراطية ،لا يؤمن بالديمقراطية ؛ وأن الرجل الذي طلع من صناديق الاقتراع لا يعرف الاقتراع .
"الإخوان" سدوا آذانهم ، واستغشوا ثيابهم ، وأصروا ، واستكبروا استكبارا. حتى البطانة المحيطة به التي كان من المفروض أن ترشده إلى الخير وتعينه عليه ، فضلت السكوت من أجل تحقيق مغانم.
كأني بالشيخ لم يشاهد على شاشات التلفزيون ما جرى، ولم يقرأ صحفا، ولا تابع أخبارا ، بل لم يعمل بنصيحة ابنه عبد الرحمن الذي نقل له فيها ، بكل أمانة ،ما يقوله أغلب المصريين عن نظام مرسي الذي اختار أن يضع حدا لولايته في ذكراها الأولى.
إن كان من جدوى متبقية لفتوى القرضاوي ،فإنها ستزيد في صب الزيت على النار،وتنفخ في تعنت "الإخوان " على مواجهة باقي أشقائهم من المسلمين والمسيحيين في ...الشارع. وحينها تكون فتوى الشيخ قد دفعت المصريين إلى الاقتتال ، وإلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
لكن ، هل كان الأمر يقتضي إصدار فتوى في مثل هذه الأحوال ؟
إنها فرصة تاريخية للشيخ القرضاوي أن يخلع عنه جلباب السياسة الذي تم إلباسه إياه في وقت مضى، ويكتفي بعباءة الدين ، وينكب على مقاصد الشريعة وأسرارها ،ويستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.