رشيد بغا.
بمناسبة أو غير مناسبة، تكشر الصحافة الجزائرية عن أنيابها، لتنهش لحم المغرب وتحاول تشويه صورته، و في غالب الأحيان، تكون الهجمات المسعورة على عربة المغرب، بلا ارتكاز سليم و مجانبة للصواب، معتمدة في كلّ مرّة على "فبركة" الأخبار بطريقة ضحلة، وتحوير التصريحات بصيغة كاريكاتورية، وكذا تضخيم الأرقام، وتهويل الأحداث، و نشر مقالات تحليلية، تنم عن جهل مركّب في الفهم والقراءة وقصور المخيال، لدى صحافة قصر المرادية بالعاصمة الجزائرية، وخاصة في الشّق المتعلق بحقوق الإنسان وتقارير المنظمات الدولية.
لكن في هذه المرة وجدت في تصريح للأمير مولاي هشام، نقله عنه الصحافي الإسباني المشهور بعدائه للمغرب إيغناسيو سامبريرو، ضالتها، خاصة وأن الكلام صادر عن أمير...
كلام مولاي هشام حول حقوق الإنسان في الصحراء، فتح شهية صحافي لكتابة مقال تحت عنوان "مولاي هشام: حقوق الإنسان تطبق في كل مكان".
وبالرغم من أننا لا ننتظر من صحافة تتنفس هواء دولة الحزب الواحد، الى حدود الأمس القريب جدا ، وتقتات من فتات موائد نظام "عسكرقراطي" أكثر من مقال رديء، فإن ذلك لا يمنع من القول أن مولاي هشام اقترف خطأ على مشارف مربع عمليات بلده المغرب، من دون أن يفكر في ما يمكن أن يترتب عن ذلك من استغلال إن لم يسئ، ولن يسئ، إلى صورة المغرب، فإنه على الأقل أعطى الفرصة للكلاب لكي تنبح.
وكما يعلم صاحب المقال أن المغرب لا ترعبه تقارير المنظمات غير الحكومية، بقدر ما يتعامل معها باحترام وإنصات تمليه الروح السامية لحقوق الإنسان، التي تؤمن بها الدولة المغربية، ودستوريا تنص على ذلك، ومن أولى هذه المبادئ والقيم الحقوقية حرية التعبير والرأي وضمان حق الاختلاف سواء بالنسبة للمنظمات الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية إسوة بهيئات المجتمع المدني المغربي الوطنية أو الجهوية كسلطة اقتراحيه، يقرّ بوجودها القانوني والعملي الدستور الجديد، ويعبر المغرب عن طموحاته الكبرى في هذا الاتجاه يوميا، كدولة ومجتمع يربطهما عقد، الحق والقانون، محصنان ومتشبعان بروح حقوق الإنسان واحترامها سواء في طنجة أو الرباط أو وجدة أو بوجدور والسمارة وبئر كندوز أو العيون، لأنه بالنسبة للمملكة المغربية لا فرق بين صحراوي وعربي وأمازيغي أو موريسكي، في الحقوق والواجبات، في المغربية والوطنية، وحتى الأقليات - كيفما كانت حساسياتها المرجعية أو السياسية- لكن في حدود احترامها للقوانين المعمول بها، لأن حقوق الإنسان هي مسؤولية الدولة والمجتمع وليست محصورة في طرف دون الأخر.
كثيرة هي محاولات التدليس والتضليل التي يمارسها كثيرون، تتمثل في الإجحاف، وسوء التقدير المفتعل في حق المغرب، وفي التعامل مع الوقائع والحقائق، خاصة في الأحداث الاجتماعية التي يعرفها البلد في الغالب، سواء في هذا الإقليم أو ذاك، ومن طنجة إلى الكويرة، والاعتراف بان المغرب دولة ديمقراطية ناشئة متقدمة دوليا، ومع اعتلاء محمد السادس الحكم، خرج الوطن من مرحلة سميت ب"الرصاص او القمع الاسود الخ.." إلى مرحلة التصالح بين أبنائه ومع تاريخه إلى غير ذلك، مجسدا بطبيعة الحال في هيئة الإنصاف والمصالحة، وبالتالي انطلق مسلسل هام تاريخيا هو غرس ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع، وتنميط الذهنية الجماعية على هذه الثقافة، في انتظار تحولها إلى مكوّن في السيكولوجية العامة للدولة والمجتمع، ونظريا ليست المهمة سهلة، فبالأحرى على مستوى الممارسة المادية الاجتماعية وتصبح سلوكا في اليومي العمومي المغربي.
إن استبعاد عدد من المعطيات يجعل بعض المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان تقوم باختزال وبسترة تاريخ الشعب المغربي، وبإسقاط لتجارب الشعوب والدول ليس صحيحا من الناحية التاريخية وتعسفيا من الناحية المنهجية، عندما نتحدث عن منظومة هذه الحقوق وإمكانية تطبيقها في كل مكان، دون مراعاة للجغرافيا والتاريخ، والسياق المجتمعي والسياسي الخ..لأن الأمر لا يتعلق بتغيير الأحذية أو ربطات العنق ولكن ببناء تطور على مراحل تاريخية، لأن حرق المراحل يؤدي الى الجحيم..وفي كل مرّة نجد أنفسنا مضطرين للتذكير أن الوطن ليس شركة مساهمة ومجهولة الاسم في السوق، لا وألف لا..الوطن شركة حقوقية إنسانية مواطنة..لا يحتاج الاعتراف أو الدروس من احد.