لا يمكنك إذا كنت سويا إلا أن تتبرأ من العروبة إذا كانت هي مشهد سحل سلفيين لشيعة في مصر. مشهد مؤسف ومرعب ومريع لا ينتمي لوقت الناس هذا، ولا تفسير له ولا تبرير اللهم الهمجية الساكنة في عمق أناس من وقع الجهل والكبت وكل الأشياء العفنة التي لم يستطيعوا التخلص منها إلا بكل هذا العنف المذل والمعيب.
كيف يمكن أن تصدق أن الرئيس الإخواني محمد مرسي سيحمي حقوق المسيحيين المصريين وسيضمن ممارستهم لشعائرهم في قلب بلادهم وهو غير قادر على حماية مسلمين من مسلمين آخرين قتلوهم بسبب اختلاف مذهبي يفترض أنه ليس سبب تكفير، وليس مبررا لأي عنف مهما كان وليس لذلك السحل الذي رأيناه بأعيننا في كل مكان.
لا يمكنك إذا كنت سويا إلا أن تتبرأ من العروبة التي يفترض أنها تجمعك مع من أكل قلب الجندي السوري في الفيديو الشهير. أي إسلام هذا وأي دين؟ بل أي إحساس هذا الذي يسمح لآدمي أن يفتح صدر آدمي آخر,، وأن يستل قلبه من بين الضلوع وأن يلتهمه أمام أنظار العالم؟
أي شعور نتركه لدى الآخرين؟ وأي إحساس نتركه لدى أنفسنا ونحن نسجل بهاته الهمجية البعد كل البعد عن الدين الذي ندعي أننا ندافع عنه وأننا نحمل لواءه وأننا نريده أن يحكم أن نريد أن نحكم باسمه وباسم هاته الفظاعات التي يرتكبها أمثال هؤلاء المجرمين؟
لا يمكنك إذا كنت سويا إلا أن تتبرأ من العروبة التي قد تجمعك بأنصار الشيخ الأسير في لبنان من فضل شاكر عاشق الحشيش المغربي التائب إلى أصغر قاتل فيهم. أناس يفتحون اليوم النار على الجيش اللبناني ويتهمونه بأنه ينكص عن نصرة إخوانهم السنة في سوريا، ويعتقدون أن حرب القرون الأربعة عشر ينبغي أن تستمر بنا حتى وإن كانت مسافات ضوئية تفصلنا عن الصحابة وعن معاركهم وعن كل ما أسس هذا الخلاف الغبي بين من يفترض أنهم جميعا ينتمون إلى دين واحد وأن المذهب والقراءة الخاصة للدين هي التي تفرقهم
هاته العروبة القادمة من مناطق القتل والدمار المختلفة هاته لا تغريني. أحسني مغربيا أكثر مني عربيا وأتمنى من القلب ألا أحشر مع نفس الجهلة في أي مكان سيحشرون فيه غدا يوم القيامة, مع اقتناعي أن العناية الربانية لايمكنها أن تدخل الجنة رجلا يأكل قبل رجل ميت, أو رجالا يقتلون بهاته الوحشية عزلا في منزل بدعوى أنهم يمارسون طقوسا شيعية.
له نفخر بالبعد عن كل هذا الدمار، ونطالب بإبقائنا منفيين عنه، مقصيين منه، غير متعلقين بأي جزء مهما كان صغيرا منه؟
شخصيا أنا من أنصار هذا الاختيار. فعلى مدى كل السنوات والقرون ووسائل حساب مرور الأيام لم يأت من هناك إلا جهل كثير، وفظاعات لاتنتهي ومرعبات يصعب حصرها مهما حاولت. حتى الأشياء المضيئة من الحياة من شعر وفن وأدب وعلم حاربتها هاته المنطقة بمنطق البداوة المتخلف القابع فيها، وسلطت عليها جهلها، وكثيرا من رعاعها لكي تنتصر على الجانب الإبداعي فيها، ولكي لا توصل إلينا من تاريخها إلا التفاهات وقصص الغلمان العابرين فوق أسرة الخلفاء، وحكايات الدم والنار والدمار.
في المخيلة الكبرى للعالم اليوم, العربي هو هذا الجهل، وهو هذا القتل، وهو هذا العجز عن الخروج من أزمنة الجاهلية إلى أزمنة الوقت المعاصر. لذلك يحلو لي أن أبقى مغربيا، بيني وبين أوربا كيلومترات معدودة أقطعها بالنظر من طنجة إن استحال القطع المادي فعلا، ولدي قارة انتماء كبير تجعلني الإفريقي الذي ولد الحياة كلها، والذي منح الاخضرار والاسمرار للبشرية جمعاء، ولدي هذا الانتماء المتوسطي الملتبس الجميل، بأندلسياته الهاربة، وبلثغة الراء في حديث أهل فاس عنه، وبعلم يهوده وقدرتهم على الاقتصاد، وتسكنني عزة تمازيغت القابعة في قلب وعروق وجينات كل مغربي. بعيدا عن صفاء العرق الذي يتبجح به الراغبون في البقاء أسرى لمعركة سيدنا علي وسيدنا معاوية وبقية معارك الشيعة والسنة المضحكة.
في العالم العربي اليوم، أيها الناس، عودة لحروب ما بعد الجاهلية بقليل، وحين يسألني الكثيرون “لماذا كرهت الربيع العربي؟“ أجيب منذ اللحظة الأولى “لأن أي مشترك مع هؤلاء القوم لن يكون أبدا ربيعا. سيكون دمارا ووبالا وطوفانا. ربيعنا هو استثناؤنا في هذا البلد، وهو قدرتنا على البقاء محصنين ضد كل ماسقط فيه الآخرون بفظاعة وبكل سهولة“.
ترانا نفهم حظ هذا الاستثناء ونعرف أن الطبيعة منحتنا ترف هذه الفسيفساء التي تؤسس كل واحد منا ؟ ترانا نستوعب يوما أننا الأفضل وأن التبرؤ من قوم الجهالة العمياء هو الحل؟