للكاتب الدكتور حاتم السكتاني.
عرف المشهد الحزبي بمغرب ما بعد الاستقلال زعماء سياسيين يتقنون الخطابة بطريقة يسهل معها استقطاب المغاربة إلى أحزابهم وفي أوقات الحرب أوالأزمة إلى توعيتهم وتعبئتهم وإيصال المعلومة إليهم بطريقة يفهمونها، وكان أبرزهم علال الفاسي والمهدي بنبركة، بعدها جاءت مجموعة أخرى حظيت كما حظي مغاربة جيلهم بقيادة الملك المغفور له الحسن الثاني بشرف المشاركة في المسيرة الخضراء ومن أبرزهم أحمد عصمان وعبد الرحيم بوعبيد، كما برز في سنوات الثمانينات بشكل ملفت للنظر طريقة خطاب أحرضان المؤسسة لأمازيغية الهوية الحزبية لبعض التيارات السياسية لما كان لها من أثر على عدد لابأس به من الأمازيغ حول حزب السنبلة. والراحل علي يعتة بجلجلته في قبة البرلمان وفصاحته الأخادة ولغته العربية المشكولة.
إلا أن الملفت للنظر هو اختفاء مفهوم الزعامة الحزبية لأكثر من عشرين سنة كانت وراء أفول دور الأحزاب وعزوف الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية مما مهد لصعود عدد كبير من التقنوقراط إلى حكومات هجينة كانت وراء بلقنة المشهد السياسي وانزواء بعض التيارات الفكرية والدينية والسياسية خارج حظيرة المؤسسات السياسية المعترف بها قانونيا.
والواقع أن المغرب المعاصر، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، بحاجة ملحة ومستعجلة لجميع أبنائه حتى من شد فكره عن القاعدة لأن الاستثناء يؤكد القاعدة. تلك القاعدة المتينة التي أشبهها بالطبيعة التي تخشى الفراغ. ذاك الفراغ الذي كان وراء نكسة 2007 وأسس لتحول تاريخي سنة 2011، كان وراء بروز زعامات جديدة بدأت تؤسس لدينامية جديدة يسميها بعض المهتمين والمختصين بالشعبوية أو بالسفسطة الفارغة من كل محتوى.
ولعلي أختلف مع هؤلاء الفقهاء لمسألة جوهرية وبسيطة تتعلق ببروز مساحات واسعة للتعبير في ظل الدستور الجديد وكذا حق المواطن في الوصول إلى المعلومة وحقهم في توصيل المعلومة للمواطنين على اختلاف أطيافهم السياسية وغاياتهم الخفية أو المعلنة في توظيف هذا النوع من الخطاب.
لقد أصبحنا نشاهد تسابقا وتدافعا من أجل دغدغة مشاعر المواطنين وعقولهم فبرز زعماء متميزون قد لاتتناسب فصاحتهم مع وزنهم السياسي الذي يأخذ كمقياس عدد المقاعد في البرلمان ومن بينهم الأستاذ محمد زيان وعبد الكريم بن عتيق بحضور شخصي وقوي في المحافل الدولية والوطنية و"معاكسة حظ" في المعركة الانتخابية، والملاحظ أن الأول ليبيرالي قح والثاني يساري طموح وشاب.
بعدها يأتي عمالقة فن الخطاب وكذا قوة الاستقطاب التي تصل في بعض الأحيان إلى الإنزال إن لم نقل إلى الزلزال السياسي، نجد من بينهم إلياس العمري وحكيم بن شماس بحضورهم الوازن في اللقاءات التواصلية والمؤسسة التشريعية عبر أسئلة شفوية ملتهبة، لكن السباق والتدافع الحقيقي بدأ يبرز بين رأسي حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية، هذا الأخيركان سباقا إلى خلق قنطرة تواصل مع المواطنين عبر شخصية ابن كيران المتفردة بما له من ميزات وعليه من عيوب بل ومن قفشات وظرافة لم تنل منها إلا الأزمة الاقتصادية والمعركة السياسية التي يقودها ضد غريمه شباط الشخصية القوية، ذات الفكر المتناسق واللسان الحاد وقوة الارتجال والتجييش التي خلقت ندا حقيقيا لحزب المصباح في أوج صعود نجمه وقوته، ولعل جماهير فاتح ماي بشارع النصر وما أبلاه في الأقاليم الصحراوية في الأسبوع الأخيرأبرز دليل على بروز ظاهرة "الشباطية Le Chabatisme " التي قد يسير على نهجها حزب الوردة مع شخص يدعى إدريس لشكر بحضوره الوازن صوتا وصورة لاسيما وأنه نجح، بعد شهور من بلوغه الزعامة، في توحيد ثلاثة أحزاب سياسية تحت جناح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومن بينهم الحزب العمالي بقيادة عبد الكريم بن عتيق.
وبين فئتي الزعماء الأولى غير المحظوظة في صناديق الاقتراع والثانية المكتسحة لها يوجد حزب اتصف دوما بالأناقة والتفتح الفكريين والمراجعة المستمرة لأيديولوجيته منذ عهد علي يعتة مرورا بمولاي إسماعيل العلوي وصولا إلى نبيل بنعبدالله أمين حزب الكتاب ووزير اتصال وتواصل سابق، ظاهرة الأناقة والفصاحة والتمكن من اللغات.
ونحن نرى بروز زعامات تختلف مشاربها وتتصارع بشرف وتدافع عن ثوابت الدولة برئاسة ملك هو ملك الجميع وحكم محايد لأنه أب الجميع. إنه بكل تأكيد وبلا منازع ملك القول الموزون والفعل المتقون.
لايمكن إلا أن نكون متفائلين بشأن مستقبل المغرب لأن الاختلاف ظاهرة صحية طالما أن الحقل السياسي المغربي بدأ يتعافى من آفة فقدان الزعماء السياسيين.