حمادي التازي
ظنت جريدة "ألجيري كونفليونس" أنها حققت "خبطة " صحفية ، بنشرها ثلاثة مقالات ، دفعة واحدة ، عما سمته بمرض الملك محمد السادس، من دون أن تدري أن "خبطتها" ارتدت عليها وهي تدس أنفها في موضوع " ميت " مبني على الشائعات وعلى القيل والقال وما لا فائدة منه من كثرة التكرار .
لم يستح الهادي بوسلام وهو يكذب ، في آن واحد ،على نفسه وعلى القراء حين زعم أن الملك محمد السادس تم نقله، في حالة استعجال، إلى فرنسا قصد العلاج، وأن ظهوره على شاشة التلفزيون أثار مخاوف وتعليقات ؛ بل ذهب به هذيانه إلى اعتبار أن الأمر خطير ،وأن السلطات (في المغرب ) " بصدد تهيئة الرأي العام لحدث لاحق" ، لكن نوايا الصحيفة تنكشف تلقائيا حين تبني تأكيداتها على مجرد شائعات تحدثت عن إمكانية أن يعلن القصر على تشكيل " مجلس ملكي" يقوم ، مؤقتا ، بمهام الحكم ،جاهلة أن الدستور المغربي ينظم بدقة الحالات التي يمكن أن يقوم فيها " مجلس الوصاية " بالدور المنوط به.
لكن الهادي كان في حالة شرود، مما جعله يضل السبيل ويصارع أحلامه في كوابيس اختلقها عن صحة الملك محمد السادس.
المقال الثاني بتوقيع علي عمار ليس فيه أية إضافة يمكن أن تشكل فائدة له فبالأحرى للقارئ ،وهو يقنبل ويمطرق مسامع المتلقي بتساؤل غير بريء حول ما إذا كان الملك مريضا ، ليجد ضالته في ما ردده "عزيزو" الصحفي الإسباني بيدرو كاناليس منذ سنوات خلت حول نفس الموضوع ، وذلك بغرض الإثارة والتشويش ،في الوقت الذي كان فيه الملك يقوم بنشاط ليس من الضروري ولا من المفيد الإعلان عنه ،علما أن رؤساء الدول عادة ما يستغلون زياراتهم الخاصة لبلد ما ليقوموا بمهام على درجة كبيرة من الأهمية ، وبكل هدوء، لصالح بلدانهم من دونما حاجة لتسليط الأضواء عليها إعلاميا. وما كل شيء يقال أو يصور.
أما ثالثة الأثافي فتتمثل في مقال ثالث أكثر وهما وخرفا حين أطلق فيه صاحبه نورالدين خلاصي العنان لخياله ليتحدث عن المشاكل الصحية ليس للملك محمد السادس بل لأخيه مولاي رشيد وابن عمه مولاي هشام؛ وسرح به هذا الخيال الواسع إلى طرح " مسألة استمرارية الملكية" في حال ما إذا لم يتمكن الملك وشقيقه وابن عمه من القدرة على حكم البلاد بسبب أحوالهم الصحية.
هناك شيئان ، لا ثالث لهما ، يعكسان الحالة الذهنية لصاحب المقال التي تمكن فيها لا شعوره من الانسلال إلى سطح شعوره ليفضح الواقع البئيس الذي يوجد فيه بعض الذين استمرأوا إسقاط أوضاع بلادهم ومسؤوليها على بلدان الجوار ، وبالأخص على المغرب . فبدل أن تكون لهم الجرأة للحديث عن المرض الحقيقي لرئيسهم بوتفليقة ، وما يطرحه من مشاكل كبيرة بالنسبة لخلافته، وبأية طريقة، وفي أية ظروف،والانعكاسات الحقيقية والمحتملة لهذا المرض الذي غيب فعلا بوتفليقة،على الوضع العام في البلاد ،إذا بهم يلقون الحبل على الغارب ،ويولون وجوههم نحو المغرب لاختراع مرض محمد السادس ومسألة استمرار الملكية.. ومولاي رشيد ومولاي هشام ... ناسين أو متناسين أن بالمغرب مؤسسات دستورية تقوم بمهامها بشكل طبيعي.
إنه أسلوب المخابرات الجزائرية التي اختلط عليها الحابل بالنابل. فلم تكتف بدفع أزلامها للحديث عن مرض الملك – بصب ما تتوفر عليه هذه الأجهزة من توابل غاية في المرارة- لغاية في نفسها ، بل أضافت إليه مرض الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز الذي تزامن وجوده في باريس مع وجود العاهل المغربي ، ومع مرض بوتفليقة الذي ما زال طريح الفراش هناك في أحد المراكز الاستشفائية الباريسية .
المثير للسخرية والشفقة أنه بعد ساعات قليلة من نشر هذه الترهات على صفحات "ألجيري كونفليونس" ، كان الملك محمد السادس يشق أحياء العاصمة الرباط من شارع النصر لتدشين منتزه بيئي فريد من نوعه ، إلى شارع النخيل لافتتاح البرج العجيب ل"اتصالات المغرب" وغيرها من الأنشطة التي لا تخفى دلالاتها ورمزيتها على الملاحظ اللبيب.
ألا لا يفهمن أحد علينا فنفهم فوق فهم الفاهمينا