بالرغم من أن الوضع الاعتباري للأمير مولاي هشام كان يحتم عليه تصريف مواقفه عبر قنوات أخرى "معروفة"، وأن لا يلقي بنفسه في "متاهة" نقاش عقيم، مادام المغاربة قد أقروا دستورا ليس منزلا من أعلى، ولا منبعثا من تحت الثرى، بل نزّلته صناديق الاقتراع، وصاغته لجنة، لا شك أن الأمير نفسه، يكن لعدد من أعضائها الكثير من الاحترام، وأدلت بدلوها فيه الأحزاب والنقابات والجمعيات (بما في ذلك حركة 20 فبراير)، من دون أن تتم الاستعانة برجال الدين والزويا، بل بذوي الخبرة والاختصاص، وبالتالي فلا معنى، في هذا السياق، للحديث عن توظيف "الديني" من أجل "وضع العقبات كيلا تحقق الضغوط التي تمارسها القوى الديمقراطية أي نتائج".
وهنا يكمن بيت القصيد، لأن الأمير لم يكشف عن هذه "القوى الديمقراطية" هل هي الأحزاب والنقابات التي دعت إلى المقاطعة أو التصويت بلا( اليسارالاشتراكي الموحد، والطليعة، والمؤتمر الوطني الاتحادي، النهج الديمقراطي والكنفدرالية الديمقراطية للشغل) أم جماعة العدل والإحسان مادامت كان لها نفس الموقف؟
من دون أن ننسى أن الأحزاب (باستثناء النهج) والمركزيات النقابية المشار إليها أعلاه، شاركت في النقاش، إما إلى آخر المطاف، وإما انسحبت قبيل نقطة الوصول بمبرر أوهى من بيت العنكبوت.
ماذا تبقى إذن؟ العدل والإحسان، الذي تقود هذا "الحراك" الاجتماعي، وتهيمن عليه، وتوجهه...
فهل هذه الجماعة التي يحلم "زعيمها" بـ "القومة" ودولة الخلافة حاملة لمشروع ديمقراطي؟
طبعا، لا أحد يصنف العدل والإحسان ضمن "القوى الديمقراطية"، إلا إذا كان الأمير وحده يرى فيها هذا البعد، ولا نظن ذلك مادام سموه يتحدث عن النماذج العلمانية، أما باقي القوي الديمقراطية، فقد أدلت بدلوها في الموضوع، سواء أشاركت أم قاطعت أم صوتت ب "نعم"، وكان لها حقها في التعبير عن مواقفها في وسائل الإعلام العمومية.
إن ممارسة أهل الحل والعقد للبيعة، لا تلغي الديمقراطية التي تُمارس عن طريق صناديق الاقتراع العام كما هو معمول به اليوم في أغلب بلدان العالم، فكل الاستفتاءات التي عرفها المغرب والاستحقاقات الانتخابية تمت بهذه الطريقة، أما البيعة فهي تجديد الولاء للعرش من دون أن يمس ذات بالمؤسسات.