سيظل المغاربة يخلدون 20 غشت إلى ما شاء الله من حقب وسنين، ولكن بالتأكيد لن يتذكروا 20 فبراير إلا كمرحلة عابرة في التاريخ السياسي المغربي، انبثقت من عالم افتراضي فيسبوكي وشاءت الانسياق في مشهد عربي مضطرب واستنسخت لنفسها رقما شهريا يوقع على شهادة ميلاد متعثر.
في 20 غشت 1953 أدى الغباء الاستعماري الفرنسي إلى نفي محمد الخامس والأسرة المالكة، فعمت المقاومة الشعبية العفوية والمنظمة في سائر أرجاء المملكة بعد التطاول على رمزية البلاد.
وحتى نكون واقعيين ومن غير أن نبخس عمليات النضال ضد الاستعمار حقها، فلم تفلح عمليات جماعة الزرقطوني واستشهاده، ولا الحنصالي وعملياته الفردية ولا الظهير البربري، ولا قنبلة المارشي سنترال في إحداث نفس الرجة والزخم الشعبي الذي تفجر فور المساس بالملكية .
هذا هو الدرس الذي لم يستوعبه أولئك الذين ركبوا على موجة 20 فبراير وسطوا على أصلها التجاري، وحولوا شعاراتها من محاربة الاستبداد والفساد إلى التطاول على النظام الملكي بكل تجلياته، فاكتووا بالنار التي أذكوها وتبرأت منهم النواة الأولى للحركة بل وشب الصراع حتى بين المتطرفين اليساريين والظلاميين، الذين استولوا عليها إلى درجة أن وجه الحزب الاشتراكي الموحد تحذيرا إلى "مناضليه" من فتح أي حوار مع جماعة العدل والإحسان .
ولقد اختلقوا الصراعات والفتن ووجدوا في قضايا اجتماعية بسيطة ضالتهم – خاصة في أوساط الفئات المهمشة والباعة المتجولين الفراشين- ولوحوا بها كفزاعات تجاه النظام القائم، فاندلعت المسيرات تلو المسيرات، وفتح الباب على مصراعيه أمام حركات اعتصام عرقلت النشاط الاقتصادي والاجتماعي والحوار السياسي، وتم احتلال مرافق عمومية وخطوط السكك الحديدية، بل وحتى خطوط الترامواي بين العدوتين الرباط وسلا، وأخذ الانفلات معاني اخطر حين أقدمت مجموعة من الشباب في الريف على إجبار وفد رسمي من قدماء المقاومين على مغادرة تراب جماعة تاليليت المحتضن للاحتفال الرسمي بذكرى معركة أنوال واضطرتهم إلى نقل مكان الاحتفال إلى بلدية ميضار تحت أعين السلطات الأمنية.
لقد شهد تاريخ المغرب القريب والبعيد عدة محاولات للتمرد على النظام الشرعي المركزي وتقويض أسسه ووحدته ولكن كان مصيرها الفشل سواء بتغليب سبل الحوار والإقناع السياسي أو بالتدخل الأمني العسكري الحاسم.
والمغرب في الظرف الراهن في غنى عن أي محاولات تبدو في ظاهرها معتادة بسيطة ولكن قد تتطور في صيرورتها إلى مخاطر قد تعود بنا إلى الوراء وتخلق بؤر توتر محتدمة يكمل بعضها بعضا مما يستدعي الوقوف بحزم أمام هاته الانفلاتات الأمنية التي ترتدي أقنعة الدفاع عن مصالح اجتماعية وقضايا معيشية ولكنها تهدد في حقيقتها كيان البلد ومستقبله .
لقد اندلعت مقاومة 20 غشت من داخل المغرب ولأجل المغرب ونظامه الملكي، فيما انبثقت 20فبراير عن حراك خارجي تطور إلى محاولات يائسة ضد رمزية النظام واستقرار البلاد والعباد.