أصبحت مقتنعا أكثر من أي وقت مضى أن الأهل في العدالة والتنمية يشغلون بالهم بمصلحتنا أكثر منا وأكثر من اللازم أحيانا. يوم الاثنين الفارط طرح نوابهم المحترمون على وزير الاتصال سؤالا مهما للغاية، يشغل بال المغاربة كلهم ويؤرق الأسر المحلية ويطير من أعيننا النوم هو سؤال السبب الذي جعل القنوات التلفزيونية العمومية تنقل لنا سهرات مهرجان موازيين.
فعلا سؤال مهم للغاية، ويدل على نوعية اهتمامات نواب العدالة والتنمية. ومع أن مهرجان موازين “تسالا”، ومع أن عدد مشاهديه على الشاشات كان بالملايين، علما أن عدد مشاهديه الفعليين كان بالتحديد مليوني ونصف المليون مواطن ومواطنة، إلا أن أصدقاءنا وجدوا الوقت الكافي والمزاج الرائق لمساءلة وزير القطاع “علاش نقلتو لينا السهرات ديال موازين؟”
جواب الخلفي كان رائعا باختصار. الرجل تحدث عن ضرورة تنظيم علاقة المهرجانات بالمؤسسات العمومية، وتحدث عن الهاجس التجاري الذي يتحكم في مثل هذه النوعية من البث، وتحدث عن المستقبل الذي سيشهد تحديد أوجه العلاقة مع ما يفوق الـ150 مهرجانا يشهدها المغرب. طبعا كان من الممكن أن يجيب الخلفي بجملة واحدة بسيطة للغاية هي “وعلاش لا؟”، ردا على سؤال “علاش كتنقلو موازين؟”، لكن وزير القطاع هو في الوقت ذاته منتم لحزب العدالة والتنمية ويصعب عليه أن يتفق مع جواب البث دون ضوابط خصوصا وأن السهرات المتلفزة أدخلت إلى منازلنا جميعا جيسي وتبانها الشهير مما لا حاجة للعودة إليه مجددا وإلا حركنا الغرائز مجددا وهي غرائز يصعب التحكم فيها على ما يبدو لدى الإخوان، ومن السهل أن تستثار فور رؤية أي مقطع من أي مكان من جسم أي أنثى عابرة، حتى وإن كانت هاته الأنثى تغني عبر قناة يمكن تغييرها بزرة تيليكوموند والتحول إلى “الجزيرة” أو “إقرأ” والسلام.
سؤال أهلنا في العدالة والتنمية حول بث موازين ينضاف إلى سؤالهم السابق عن دوزيم وعن “العفريتات” الموجودات فيها، والسؤالان معا ينضافان للتحفة الرائعة التي أطلقها عبد الإله بنكيران، وهو يدافع عن اختيار مدير ديوان مصطفى الخلفي لكي يشغل منصب الكاتب العام لوزارة الاتصال، حين قال عبد الإله إن “سعد لوديي (المرشح للمنصب) ولد الدار ومربي مزيان”، وهي خصال حميدة لكنها غير كافية بكل تأكيد لتولي مناصب بهاته الحساسية اللهم إلا إذا كان الغرض من هذا التولي هو حرماننا من أسئلة من قبيل “علاش نقلتو لينا موازين فالتلفزيون؟، وهذا موضوع أخر بكل تأكيد.
نعود الآن إلى “موازين” ونقله التلفزيوني. من يعرفون قليلا في هذا القطاع يعرفون أن التلفزيون المغربي لو أراد خارج هذا المهرجان نقل سهرة مباشرة وحية وعلى الهواء لريهانا أو لإنريكي إيغليسياس أو لصاحبة التبان جيسي جي، لاضطر لبيع ما وراءه وما أمامه، ولاجبر فيصل العرايشي على الاستدانة من صندوق النقد الدولي من أجل أداء ثمن هاته السهرة. لذلك وحين أتت فرصة مهرجان بسهرات فنية ذات مستوى راقي، كان سيكون “عبيطا” ألا ينقلها التلفزيون المحلي، وألا يؤثث بها فقراته التلفزيونية.
وما لا يعرفه الأهل في العدالة والتنمية ولا يشغلون البال أساسا بمعرفته هو أن عددا كبيرا من المشاهدين من خارج أرض الوطن، ومن الأجانب الذين لا يحملون الجنسية المغربية كانوا يسألون طيلة أيام المهرجان عن القنوات المغربية التي تنقل سهرات مغنيهم أو مغنيتهم المفضل أو المفضلة، وهذه مسألة قد ندفع كل مال الكون من أجل الوصول إليها ولن نتمكن من ذلك إذا ما نقلنا سهرة يشارك فيها حيكر أو المقرئ أبو زيد أو غيرهما من نواب العدالة والتنمية الذين يشغلون بالهم بمتابعة القنوات التلفزيونية العمومية هذه الأيام، وتخيل شكلها المستقبلي الذي يأملونه.
هذا الإشعاع العالمي، وهذه الصورة التي التقطها عنا الناس في كل مكان، باعتبارنا البلد الوحيد الذي سلم في المنطقة من الأثار الوخيمة لما يسمى بالربيع العربي، والذي يستطيع اليوم أن ينظم سهرات فنية في شوارعه العامة عوض أن ينظم اعتصامات دامية مثل حالة مصر، أو أن ينظم مواجهات قاتلة مثل حالة ليبيا أو أن ينظم موجات هروب كبرى من كل مكان خوفا من سلفيي تونس، هي صورة في الختام عملنا جميعا من أجل الوصول إليها، ولا معنى للامتناع عن ترويجها في العالم كله إلا أننا لا نحبها ولا نقبلها ونريد عكسها تماما.
لذلك وجبت قراءة سؤال السبب في بث سهرات موازين على تلفزيوناتنا العمومية القراءة السليمة. “الناس كاعيين أنها ما ناضتش عندنا”، والمشكلة هي أنها “منين كانت نايضة قلبو على اللي نوضوها وخواو بيهم، إيوا فهم نتا شي حاجة”.