لم يجد بعض "محللي" آخر ساعة، شيئا يستحق ،فعلا، الكتابة عن العلاقات المغربية الأمريكية، سوى القول ، بصيغة الجزم ، بأن "جميع" مراكز صنع القرار الأمريكي غير متعاطفة مع المغرب وتؤيد تقرير المصير في الصحراء.
واستند "التحليل" المذكور في حكايته هاته على التعيينات الأخيرة التي أقدمت عليها الإدارة الأمريكية ،باختيار سوزان رايس مستشارة للأمن القومي ، وسامنتا بوير سفيرة لواشنطن بالأمم المتحدة ، وذلك بعد تعيين جون كيري وزيرا للشؤون الخارجية ، وتشاك هيغل وزيرا للدفاع . وبسهولة لافتة يحسم "التحليل " الأمر بأن المغرب فقد أي مخاطب له وسط الإدارة الأمريكية، على أساس أن هذه الشخصيات معروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان ومتعاطفة مع "البوليساريو ".
بين الجزم بأن " جميع " مراكز صنع القرار بواشنطن ضد الرباط، والحسم بأن المغرب " فقد" مخاطبا له بين الأمريكيين، تظهر مدى سطحية وسذاجة النظر- حتى لا نقول التحليل أو القراءة – لغرض في نفس صاحبه ،خصوصا أن الأمر في غاية الأهمية ويتعلق على وجه التحديد بالعلاقات المغربية الأمريكية التي هي ليست وليدة البارحة، إلا إذا كان صاحب النظر ينزل بهذه العلاقات إلى مستوى ما يجري بين "الدراري" في دروب الأحياء .
جميل أن تتولى شخصيات معروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان مناصب مهمة ومؤثرة في الإدارة الأمريكية، خاصة إذا كانت هذه الشخصيات مقتنعة فعلا بالمبادئ الأساسية التي تنص على احترام حقوق الإنسان. وإذا كانت كذلك، فمن المؤكد أن ضميرها سيحركها نحو الصواب وليس نحو الانحراف، وإلا فلا معنى للقول أن هذه الشخصيات معروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان ،وفي نفس الوقت متعاطفة مع "البوليساريو" أو مع من على شاكلتهم الذين يرتكبون ، يوميا، أفظع الانتهاكات في هذا المجال.
لا نظن أن هوس كيري وهيغل ورايس وبوير بحقوق الإنسان منصب فقط على المغرب بينما غوانتانامو ليست أبعد من أنفهم ، وكوبا أقرب إليهم من حبل الوريد ، وبعض دول أمريكا اللاتينية،المعروفة بسجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان،على مرمى حجر، هذا دون الحديث عن بلدان أخرى توجد تحت العين الحمراء لأمريكا ،مثل أفغانستان ، العراق، كوريا الشمالية ، الصين ، إيران ، سوريا، العراق ، الجزائر ومخيمات تندوف ، الخليج العربي ، وكثير من الأنظمة الإفريقية التي تظل تحت زاوية نظرهم .
إن " التحليل " المذكور يعطي صورة مشوهة عن أمريكا وإدارتها، وكأن واشنطن أقدمت على ما أقدمت عليه فقط من أجل الصحراء، وبالتالي فليست لها استراتيجية شاملة تنظم وتحكم علاقاتها مع دول العالم ، وليس لها أطر وخبراء وأدمغة ... يرسمون لها الطريق الذي ينبغي نهجه بعد دراسات وتحقيقات وتحليلات معمقة ومطولة تأخذ بعين الاعتبار المصالح الاستراتيجية العليا لواشنطن التي تتداخل فيها عدة عناصر.. وتحتاج لعدة آراء وتقييمات . وإجمالا ، ليس في كل هذه الأمريكا سوى كيري وهيغل ورايس وبوير.
أما القول بأن رايس أصبحت الآن مسؤولة الأمن القومي و"لم يمنعها أحد من تطبيق (لاحظوا هنا كلمة تطبيق ) رؤيتها في نزاع الصحراء" ، فهو حكم مسبق ؛ ثم إن الفشل كان مآل تلك الرؤية التي تقول بتكليف بعثة "المينورسو" بموضوع حقوق الإنسان ، والتي لم يأخذ بها مجلس الأمن الدولي في أبريل الماضي.
إن أصحاب الأبواق التي بدأت من الآن تعلن أن الرئيس باراك أوباما تستهويه أفكار نيلسون مانديلا حول تقرير المصير بالقارة الإفريقية، وأن سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة ، سامنتا بوير، صديقة للمدعوة أمينتو حيدر، ولها علاقة وثيقة بمؤسسة روبير كيندي ، ومتعاطفة مع "البوليساريو " ، ومواقفها مؤيدة للانفصال في أي مكان (جنوب السودان ودارفور نموذجا) ، ونفس الشيء بالنسبة لكيري ورايس .. ليسوا سوى " حياحة " ، وفي نفس الآن يقومون بمهمة "كاري حنكو" .
بئس المهمة.
حمادي التازي