مرة أخرى يفشل أحمد بن الصديق في خروجه الإعلامي المفرنس ، وتتمكن دواخله الدفينة في لا شعوره العميق من الإفلات من كل رقابة لشعوره من أجل أن تعبر عما في مكنونات النفس من دغل وغل إزاء الآخرين.
هكذا يفضح بن الصديق نفسه بنفسه من خلال اعتماده، في مقاله "جمال الدبوز وفخذ جوبتير" ،على الخرافات الرومانية (الإغريقية ) التي، وإن حاول من خلالها إعطاء معنى لما يريد أن يصل إليه، فإن الحكاية التي استند عليها تعطي صورة واضحة عن مصدر الفساد الذي يؤسس عليه ثقافته ومعلوماته من أجل إقناع قارئ مغربي (بجميع مكوناته الأمازيغية ،الإسلامية ،الحسانية، الإفريقية ، اليهودية، المتوسطية..) بصواب رؤيته نحو موضوع يعرف نقاشا كبيرا في الساحة المغربية .
أولا ، لا بد من تحديد المفاهيم . إن الاعتماد على الأساطير- كيفما كانت – لا يستقيم على أساس سليم ومنطقي من أجل إيصال ما ينبغي إيصاله للعموم ، فبالأحرى إن كانت الفئة المستهدفة من المقال نخبة المتعلمين حتى لا أقول المثقفين – أرجو أن لا يكون بينهم فاسدون ما دام أن بن الصديق يضع الجميع في سلة واحدة.
تقول الحكاية أن زوس ، الذي حولته الأسطورة إلى جوبتير ، أخرج ابنه من بطن أمه الميتة ، وعمل على إدخاله في فخذه حيث ظل هناك ثلاثة أشهر قبل أن يخرج إلى الوجود ليحمل اسم ديونيسوس. وهذا الأخير هو إله الخمر والقوى المتحكمة في الطبيعة حسب نفس الأسطورة.
انطلاقا من الأساطير البالية التي لم يعد يعيرها الغربيون أنفسهم ، والأوربيون على الخصوص، أدنى اهتمام ، يجرنا بن الصديق جرا إلى عالم الميتافيزيقا الوهمي ليسقط منه تحليله – الذي لن يكون إلا خرافيا – ليبني كلامه عن الفساد على انتقاد الفنان جمال الدبوز لمجرد أنه عبر عن إعجابه بالملك محمد السادس ، وعما يقوم به لصالح بلده ، وخاصة قوله : " لو كان هناك الكثير من الناس مثل ملك المغرب، لكان من الممكن أن يسير المغرب بسرعة أكثر ، لكنه وحده ..."
هذا الرأي الذي عبر عنه الدبوز أثار حنق بن الصديق(لا حظوا طريقة مصادرة الرأي من طرف من يطالب بحرية التعبير وهو يسب الجميع) لدرجة دفعته إلى مهاجمة النظام بشكل شرس ،واصفا إياه بالنظام "الذي يمنح حق الحياة والموت لرعاياه." بل إن حقد بن الصديق سيذهب في تخاريفه طرقا شتى حين يقول أن هذه الاستراتيجية تعطي فكرة على أن البلاد يعيش فيها "حشد من الجهلة" ومن " أنابيب هضمية لا تستطيع أخذ مصيرها بين أيديها" ، و" النخبة مدجنة ، منبطحة ، وغير كفأة، ومرتشية " ، مما" يكسب الملكية دور المنقذ" (أليست فعلا منقذا ؟) قبل أن يعود إلى تكرار اللازمة الأساسية لرفاقه وأحبائه، على شاكلة فؤاد عبد المومني،حول "الكل فاسد " في هذا البلد: المحيط الملكي ومجموع النخب الحزبية والحكومية والإدارية والعسكرية وغيرها .. كل هؤلاء فاسدون إلا جماعة بن الصديق ومن يدور في فلكها تعتبر نفسها " جماعة الملائكة " الخارجة من فخذ جوبتير، والباقي شياطين ما دام يعجبه الحديث عن "المذهب الشيطاني ".
في هذا الإطار، يحمل بن الصديق العصا ليهش بها على الحبيب المالكي ، أحد قياديي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، مؤنبا إياه على قوله بخصوص طلب حزب الاستقلال التحكيم الملكي بعد إعلان انسحابه من الائتلاف الحكومي : " الملك حكم. وهو ضامن التوازن بين المؤسسات الدستورية، وبالتالي فإن اللجوء إليه هو لجوء إلى الأمان." هل هناك قمع على حرية إبداء الرأي أكثر من هذا ؟
وفي وقاحة ما بعدها وقاحة ،يعمد بن الصديق إلى إخراج "جوبتيره" من نفسه المريضة حين يقول : " إذا كان جمال الدبوز يفتخر بصداقته للملك ، ويعتبرها امتيازا، فإن الملك ليس له حظ امتياز أن يكون بين أصدقائه شخص يدعى فؤاد عبد المومني."
هذا فقط الجزء الظاهر من عقلية كائنات مزهوة بنفسها إلى حد الغرور القاتل، وتضفي على نفسها أهمية وتميزا تفتقدهما أصلا، وتظن أنها وحدها "تضوي البلاد".
قمة الخسة والانحطاط أن يفرض عليك الآخر اختيار أصدقائك، ويخرج من جبته أسماء بعينها ينصحك بالاستئناس بها، وفي نفس الوقت يعيب على صديق يقول فيك خيرا.
مثل هذه الكائنات قد تفرض عليك – إذا سنحت لها الظروف - طريقة الوقوف والجلوس، وتحدد لك وقت العمل ووقت النوم ووقت السفر، وكذلك وقت الدخول والخروج، وماذا تلبس وماذا تفعل، وتختار لك الصديق والزوج وربما الإبن ...
إنهم الديموقراطيون الجدد الذين يخرجون حوارييهم من أفخاذهم .
حمادي التازي.