عجيب أمر بعض وسائل الإعلام الإلكترونية ( لكم ... ألف بوست....)عندنا؛ تعطي صورة (عنها ) للمتلقي والمتابع غير الصورة الحقيقية التي تكشف عوراتها، وكأنها تريد أن تتستر بلحاف جد شفاف يظهر تقاسيم سوءاتها، وهي تظن أنها مستورة.
بعض المنابر التي تنتسب إلى قبيلة الصحافة ، وتفضل أن تطلق على نفسها " صحيفة الخبر والتحليل والرأي" وهلم جرا من "تجرجير " الكلام وتعويمه، فضلا عن نشر كل ما يضر وما لا يفيد ، " زرعت " كلاما حول"الملك محمد السادس والأمراء رشيد وهشام وإسماعيل في المنفى الاختياري بين فرنسا والولايات المتحدة".
من حيث الشكل، فالعنوان غير صحفي بالمرة، وينقصه الكثير من الخبرة والحرفية، مما يدل على أن الميدان أصبح مرتعا لكل من تعلم الصحافة في ظرف وجيز جدا فقط لحيازة صفة "صحفي "، التي تبهدلت في الأيام الأخيرة ، في انتظار " مول الشكارة " الذي ينفق بسخاء من أجل بناء المقاولة الإعلامية التي تمرر له ما يريد من رسائل تارة بالواضح وتارة أخرى بالمرموز.
أما من حيث المضمون، وهذا هو الأهم، فإن الموضوع ينطلق من الإثارة ويعود إليها من دون أدنى جهد في تقديم تحليل رصين أو ما يشبهه على الأقل سوى اللعب على الكلمات والمفردات.
ومن العلامات الصارخة لأسلوب الإثارة المتعمد – والذي من شأنه أن يثير ما يثير من تغليط وتضليل - كلام من قبيل أن العائلة الملكية المغربية لم تعرف المنفى إلا مرتين: منفى اضطراري عندما جرى نفي الملك محمد الخامس وعائلته إلى مدغشقر سنة 1953 ومنفى اختياري للملك محمد السادس في فرنسا.
أولا ، لا علاقة نهائيا بين الحدث الأول (منفى محمد الخامس وعائلته) والخبر الثاني (منفى محمد السادس وبقية الأمراء) . الأول حدث تاريخي بكل ما للكلمة من معنى، والذي أبدع ثورة الملك والشعب إلى أن عاد الملك وأسرته إلى العرش.. أما الثاني فهو خبر "مخدوم " وملفق وليس حدثا بجميع المقاييس المهنية، يسعى أصحابه ( حسن المجدوبي وعلي أنوزلا ...)إلى تبليغ رسائلهم إلى أصحابهم.
الدليل على الإمعان في التغليط والتضليل ،بل الجهل الفظيع لألف باء الصحافة ، ما تحمله الجملة التالية من تزييف بائن : " بعد ستين سنة يتكرر سيناريو منفى العائلة الملكية ، ولكن بشكل مختلف .."
هذا كلام خادع، يعطي للقارئ العادي، وللرأي العام بصفة عامة، صورة غير حقيقية عن الوضع. وهي مهمة " اتفقت" بعض المواقع والمنابر الإعلامية على القيام بها، بالتتابع، بل إن منها من ذهب إلى حد القول أن كل شيء معطل في المغرب، وكأن المغرب " جمهورية موز ". هذا دون الحديث عن مغزى ومرامي هذا النوع مما يصنفه أصحابه في دائرة " الخبر والتحليل والرأي"، بينما الواقع بقول لنا ليس هناك في كل هذا لا خبر ولا تحليل ولا رأي.. ولا هم يحزنون .
أما الكذبة التي ما بعدها كذبة هو حديث نفس المواقع عن خبر استقبال الملك للمغنية جيسي جي خلال مهرجان " موازين " التي أقيمت حوله الدنيا ولم تقعد ، في الوقت الذي كانت تتحدث فيه عن وجود الملك خارج المغرب ، علما أن المهرجان المذكور انطلق يوم 24 ماي وانتهى في فاتح يونيو الجاري. فأين ومتى استقبل العاهل المغربي المغنية البريطانية ؟
ثانيا: أن الملك محمد السادس يتواجد بفرنسا في إطار زيارة، تفرضها أجندة العمل، لكنه هذا لا يمنعه من أن يجوب شوارع باريس ويلتقط صورا مع مواطنين مغاربة يتسابقون لاستقباله بالأحضان.
ثالثا: أن النفي يكون بفعل فاعل، تماما كما في حالة الراحل محمد الخامس، أما محمد السادس، فقد غادر المغرب انطلاقا من ورزازات بعد أن دشن مشروعا للطاقة الشميسة لإتمام مهام بدأها هنا.
الغريب أن الحملة المنظمة عن وجود الملك خارج البلاد تأتي في سياق حملات مركزة لتلكم المواقع : إنها حملة غير بريئة عقب زيارة رئيس الوزراء التركي ، أردوغان ، للمغرب ، حيث أمعنت نفس المواقع في الحديث على " فشلها " في الرباط و " نجاحها" في الجزائر... وحملة أخرى ممنهجة ضد مهرجان " موازين " وما رافقها من لغط ولغو ؛ وحملة لفائدة "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان " في إطار التعاطف الأعمى مع هذه الجمعية التي تعزف مع تلكم المواقع نفس النغمة على أمل التشويش على البلاد، وخلق الارتباك في انتظار " المهدي المنتظر " الذي يقفز ،وجماعته، على الحدث .
لكن الشيء الأهم الذي لم تهتد إليه تلكم المواقع، هو تيهها الطويل الذي اختارته لنفسها في منفى سحيق من صحاري التضليل والتغليط والتجهيل والتضبيع والافتراء ، ليس بمقدورها الخروج منه ،على الأقل في الأفق المنظور. وما خفي أعظم.
إنه المنفى السحيق الذي توجد عليه صحافة التدليس...
حمادي التازي.