"الشعب يريد الحفاظ على النظام" لعل هذا هو الشعار الذي يرفعه المغاربة في المرحلة التي نعيشها حاليا .والمقصود بالنظام هنا مفهومه المؤسساتي وكذا مغزاه اللفظي الذي يحيل على التنظيم والاستقرار.
إن ما أصبح المواطن يشاهده من إدمان على تظاهرات ومسيرات بمناسبة أو غير مناسبة تتجاوز الحدود المسموح بها، وما يرافقها من شعارات ولافتات يجادل بعضها في شرعية النظام القائم ، يثير أكثر من علامات استفهام حول الخلفيات الحقيقية من وراء هذا "الحراك"، ومن يحركون خيوط هذا الحراك العبثي.
لقد سارع محمد السادس في ثاني خطاب للعرش إلى التأكيد على أن عهده سيكون مغايرا لسلفه الراحل الحسن الثاني حينما أكد أن لكل زمان رجاله ونساؤه ومؤسساته فانتشرت إذ ذاك تلك الجملة الشهيرة "كنا نخشى من الملك فأصبحنا نخشى على الملك "
لذا شهد المغرب مناخ الانفتاح الكبير الذي طبع هذا العهد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا بل وحتى بروتوكوليا ، وتم التدشين لمسلسل المصالحة مع الماضي وجبر الضرر لضحايا ما عرف بسنوات الرصاص وعودة من كانوا في المنفى طوعا أو قسرا وإرساء آليات تكريس حقوق الانسان كما هو متعارف عليها عالميا و ما عرفه كذلك المشهد الصحفي والاعلامي بوجه أعم من حريات أوسع ،حيث لم تتردد صحف في النبش في "أسرار الحدائق الملكية" وميزانيات القصور بل وحتى في الحياة الخاصة للملك الجديد ،وانتقاد " الطقوس المخزنية" بكافة تجلياتها.
ولا نريد هنا ان نختزل هذه التطورات في شخص محمد السادس بقدر ما نؤكد على أنها عنوان لمرحلة جديدة في مسار التاريخ المغربي وصيرورة منطقية تفاعلت فيها عوامل داخلية مع مستجدات المحيط الخارجي بفعل الموقع الجيوسياسي للمملكة ، ولسنا بصدد نفي أي سلبيات طبعت هذه المرحلة ولكنها سلبيات لم تؤثر في الاستراتيجية الحداثية الديموقراطية التي نهجها العهد الجديد ،هاته الاستراتيجية التي أثمرت دستورا متطورا ولم يكن ممنوحا مثلما يزعم البعض وإنما كان ثمرة تلاقح أفكار وتجارب عريقة سياسية ونضالية ميزت تركيبة الهيئة الاستشارية والآلية التي أشرفت على وضعه .
ومع ذلك تأبى بعض الجهات والحركات الا ان تمارس الاستفزاز وترجع عقارب ساعة التطور إلى الوراء مستغلة فضاء الحرية الذي أصبح أكثر اتساعا والمشهد الإعلامي الذي أضحى أكثر تنوعا وانفتاحا والتعامل الأمني الذي بدا أكثر تسامحا ومرحلة ما اصطلح عليه ب"الربيع العربي" الذي مازال يتعثر في خريفه ، فأطلقت العنان لمظاهرات عشوائية تتخذ من الشوارع هدفا وغاية ورفعت لافتات تحمل كلمات فقدت معانيها وشعارات تتجاوز المطالب بمحاربة الاستبداد والفساد إلى التنديد المباشر بالنظام وتحريف الشعار الرسمي للمملكة من" الله الوطن الملك" الى" الله الوطن الشعب" وهذا الشعب منهم براء ، وذهب بعضهم إلى حد احتلال مقار عمومية من قبيل ما وقع في المركب الفوسفاطي ، أوالتمركز فوق أسطح البنايات الحكومية والحزبية والاعتصام فوق خطوط السكك الحديدية في عملية صارخة لعرقلة حركة السير والجولان وعجلة الحراك الاقتصادي والسياسي .
وكأن ذلك لم يكن ليشفي الغليل فوجدت ضالتها في قضايا وأحداث اجتماعية منعزلة –نزاعات شغل وعمليات انتحار فردية - وحولتها الى مادة دسمة لتبث سمومها وتصفي حساباتها وتزرع الرعب وأسباب الشقاق والنفاق .
"هي فوضى إذن" كما يقول عنوان فيلم ليوسف شاهين .وفوضى تتم باسم الشعب الذي يكتوي بنارها.وعلى الدولة أن تتحمل مسؤولياتها وتجعل حدا لهذا العبث وترجع الأمور إلى نصابها في غير خرق لمبادئ حقوق الانسان وكرامة المواطن، ومن غير تراجع عن حرية التجمعات والتظاهرات القانونية التي تضع مصلحة الوطن العليا نصب أعينها ، لأنه بكل بساطة "الشعب يريد الحفاظ على النظام".