من كتبوا عن المظاهرات الجارية اليوم في “تقسيم” التركية تزامنا مع زيارة أردوغان لبلادنا “يعانون من قلة الأدب” بالنسبة للحكومة وأهلها، وتسببوا لنا في إحراج كبير مع ضيف المغرب الكبير، بل ودفعوا أردوغان دفعا إلى وضع يده في يد الجزائر نكاية بسوء الاستقبال الذي تعرض له في وطننا.
لسنا قائلي هذا الكلام طبعا، بل أهلنا في العدالة والتنمية المغربي هم أصحابه وهم المنافحون عنه بقوة هاته الأيام، إلى درجة تشعر المرء بتأنيب ضمير كبير أنه التفت جهة تقسيم وما يجري في تقسيم، وتدفع إلى طرح السؤال: ألم يكن لائقا وأردوغان بيننا أن نتفادى الحديث تماما عن المظاهارت الجارية في أنقرة وإسطنبول؟
نعم نحن كرماء الضيافة، ومعروف عنا منذ القديم أن “أبا الكرم” يحيا بيننا، بل لقد غنتها نجاة عتابو يوما وهي تقول للمغاربة “مرحبا بيكم فبلادكم”، وهذا يعني أننا بالغنا في الترحيب بالناس إلى أن أصبحنا نرحب بأنفسنا في وطننا، فما الذي دهى وسائل الإعلام العلمانية، الاستئصالية، الإقصائية في أرض الوطن لكي تتخلى عن كل هذا وتتحلى بقلة الأدب التي تحدث عنها إخوتنا في العدالة والتنمية وتعامل أردوغان هاته المعاملة الناقصة بالفعل؟
الأمر أشبه بضيف أتاك بعد منتصف الليل بساعتين، وقمت إلى المطبخ لكي تعد له طعام العشاء، وأنت تهمهم بكلمات غير واضحة ولكنها كلها دالة على أنك تلعن اليوم الأغبر الذي جعلك تفتح فيه عينيك على وقع الباب ورنات الجرس فيه، وتلعن أيضا بنفس المناسبة العلاقة التي تجمعك بضيف الساعات الأخرة هذا الذي لم يراع أي شيء. المغاربة يسمون هذا الأمر “تطياح العين”، أي أنك تقوم بواجب الاستقبال لكن على مضض، وبإشعار الضيف أنه غير مرغوب فيه، وهو ما تورطت فيه وسائل الإعلام التي يتهمها اليوم العدالة والتنمية بأنها سعت إلى إفشال الزيارة المغربية لصديقنا أردوغان
حقيقة وفي مجال الصحافة هذا يهتم الواحد منا بالحدث، والحدث أحب ذلك أحبابنا في الحزب الحاكم مغربيا أم كرهوا، كان هو مظاهرات أنقرة وإسطنبول. وطبعا كان من الممكن إلقاء اللوم على السلطان سليمان القانوني وعلى لميس وعلى فريحة وعلى نور وعلى مهند وعلى بقية المتظاهرين الذين ملؤوا ساحة تقسيم وتسببوا في هذا التزامن المعيب و”الخايب” بين زيارة أردوغان لبلدنا وبين اشتعال النار في أطراف ثيابه، عوض لوم الصحافة المغربية التي وجدت نفسها ملزمة بالاهتمام بما يقع في بلد يزور وزيره الأول وطننا.
كان أيضا ممكنا أن يتلفن أردوغان لبنكيران وأن يعتذر ببساطة إلى حين ميسرة “شوف خويا عبد الإله، ما عندي ما نخبي عليك، تفرج فالفضائيات، وغادي تعرف أنه مستحل نجي دابا”. الأمر حينها كان سيبدو منطقيا جدا، ولا أحد كان سيلوم رجب الطيب على تأخير زيارته إلى المغرب ما دامت الوضعية محتقنة لديه إلى هاته الدرجة مما نراه في كل مكان من تلفزيونات العالم اليوم.
كان ممكنا بدرجة ثالثة ألا يتدخل البوليس التركي بتلك القوة كلها لكي يشبع ضربا وركلا وجرحا في المتظاهرين، ولكي يمطر الساحات التي احتضنت مظاهراتهم بالقنابل المسيلة للدموع. حينها كانت المظاهرات ستخفت، وكان الهدوء سيعود إلى تركيا وكان أردوغان سيأتي إلى المغرب، وسيجد حينها كل مغربية وكل مغربي حاملين في الأيدي الحليب والتمر مما تعودنا القيام به باستمرار، مع أردوغان ومع غير أردوغان.
لكن شيئا من كل هذا لم يحدث، وأهلنا في العدالة والتنمية وبعد أن عجزوا عن إنجاح زيارة أشرفوا على الصغيرة والكبيرة فيها، رفضوا مرة أخرى ممارسة النقد الذاتي السليم في مثل هاته الحالات، ولجؤوا إلى حكاية المؤامرات والرغبة في الإفشال، وتكالب الإعلام مع جهات غير منظورة من أجل المساس بصورة الحكومة لدى حليف استراتيجي لها إن لم يكن على مستوى الإسم فقط, فعلى مستوى الإيديولوجيا المحركة وعلى مستوى الطموحات في الوصول يوما إلى تقليد العدالة والتنمية التركي في كل شيء.
هذه الطريقة في النقاش “باسلة” بعض الشيء، وهي تفقد الأهل في العدالة والتنمية (الفرع المغربي هذه المرة) أي مصداقية في الحوار، وتجعلنا ملزمين بقول “آمين” لرئيس الحكومة كل مرة أو التعرض للاتهام بأننا جميعا مسخرون من أجل إفشال تجربته الحكومية.
و”بيناتنا دابا”، واعتمادا على ما يقترفه أصدقاؤنا في الحكومة، يمكننا أن نقول إنهم في غير حاجة لمن يفشل تجربتهم. هم الأوائل ووحدهم قادرون على إفشالها، وقادرون على دفع المغاربة _أو على الأقل من صوت من المغاربة_ إلى الشعور بالندم الشديد أنهم صدقوا الحكاية الانتخابية التي باعها لهم أهل “البيجيدي”، وأدخلونا إلى ما نحن فيه الآن من اتهام للصحافة بأنها قليلة الأدب لأنها لم تستقبل أردوغان بالطبل والغيطة.
واشوف فين وصلنا معا هاد الخوت الله يهديهم؟ تعظيم سلام أفندينا، ما نعاودوش.