يحلو للبعض في هذا البلد الأمين أن يخرج لسانه كلما رأى شيئا لا يعجبه هو شخصيا، و كأني بالشيخ حسن الكتاني خرج لتوه من كهف مظلم إلى فضاء رحب لم يستطع أن يفتح عينيه أمام شمسه الساطعة.. ولما فاق من الدوخة، استنكر كل ما فيه من مظاهر الحياة وراح يدعو ويدعو فقط لأنه لم يرتح لما رآه. وكان من جملة ما رآه – عفوا سمع به – مهرجان "موازين " الذي يتم تنظيمه كل سنة ، وهو مهرجان فني إلى جانب مهرجانات أخرى ، ثقافية وفكرية ودينية ورياضية تحتضنها مختلف المدن المغربية منذ عقود ، وأصبح لبعضها صيت عالمي يعطي صورة طيبة لمغرب الثقافات والحضارات والتسامح والتعايش والنبل والإخاء ..في عالم تسوده الحروب والنزاعات التي تزهق المئات من الأرواح ،وتشرد الآلاف من العائلات، وتدمر كل معالم الحياة على وجه الأرض.
إنها خرجة انتهازية ، اختار لها "الشيخ " توقيتا رآه مناسبا لإثارة الانتباه إليه أكثر من أي شيء آخر . وأضاف إلى دعوته الانتهازية ادعاء صارخا بالقول أنه مهرجان " جمع المنكرات من أطرافها ". ولعل من يسمع بهذا سيسرح به خياله مذاهب شتى ، ويتصور هذا البلد صحراء قاحلة أو أدغالا لا شيء فيه غير المنكر، علما أن "الشيخ " لم يحدد في كلامه "المنكرات " التي زعمها ، اللهم إلا إذا كان يعتبر الفن ، بجميع أشكاله من موسيقى ومسرح وسينما ورسم .. من المنكرات. وهو ما سبقه إليه عدد من "الإخوان " بمهاجمتهم للمهرجانات السينمائية، بينما هم يرمون، في الواقع، لأشياء أخرى غبر معارضتهم لهذه المهرجانات.
إنها دعوات صريحة تفضح أصحابها الذين يريدون أن يعودوا بالمغرب إلى ظلامية القرون الوسطى، والذين يقفون على طول الخط ليس فقط ضد الفن والثقافة بصفة عامة ، بل ضد كل أسباب التنمية والتقدم ، بادعاءات باطلة لا تقوم على أي أساس . إنهم يريدون أن "يقطعوا الماء والضوء " على البلد ليعم الظلام ، وتنتشر الفتنة الكبرى ، وحينها يتم السلخ والذبح والسحل والصلب والتمثيل بدون شفقة ولا رحمة . وهو ما شاهدناه في بعض الدول. وما مالي ببعيدة عنا.
إن التذرع بكلام من قبيل " إخواننا يموتون ويذبحون في بلاد الشام ، وهؤلاء يأتون بفسقة الشرق والغرب ليلهوا شباب الأمة وينشروا الفاحشة في الذين آمنوا.." كلام يرتد على صاحبه. ف"الشيخ " الكتاني يعرف حق المعرفة أن نظام الأسد هو الذي يذبح إخواننا في سوريا على أن يقوم "حزب الله" بعملية سلخهم. وهو ما شرع فيه بالفعل. أما "فسقة الشرق والغرب " الذين يأتون "ليلهو شباب الأمة وينشروا الفاحشة في الذين آمنوا.."، فمن المفروض أن "الشيخ " على وعي تام بأن لا شيء يتم بالإكراه في هذا الصدد ، وأن الغالبية الساحقة من الذين يتابعون ويحضرون المهرجان من الشباب . وليقل لنا "الشيخ: "هل يستطيع الزعم بمقاطعة برامج التلفزيون بدعوى أنه لا يقدم سوى المسخ ؟ أليس بإمكانه أن يختار القناة التي يريد بجرة زر؟ أليس هذا بفضل التكنولوجيا الحديثة التي هي في نهاية المطاف نعمة من نعم الله على عباده ؟
هناك بلدان في منطقة الخليج تتربع على آبار عميقة من الغاز وعلى حقول واسعة من النفط ، تشتري الأبطال وتجنسهم لرفع علمها في الملتقيات الدولية ؛ وتدعو نجوم الرياضة للقيام بمقابلات استعراضية ،ومشاهير الفن والسينما فقط لزيارتها .. وتبذل في سبيل ذلك ملايير الدولارات لترويج اسمها عالميا ؛ وأن أميرا من الأمراء في تلكم البلدان شاهد مرة سباق الدراجات في بلد أوربي ، فأمر باستقدام دراجين أوربيين ليقوموا بسباق احتفالي في بلده رغم أن الظروف غير الظروف والمناخ غير المناخ .
أما المغرب، فهو ليس من هذا الصنف . فهو بلد الثقافة والفنون، وبلد العلم والحضارة، وبلد الفكر والدين، وبلد النخوة والشهامة. وهو البلد الذي يرعاه أولياء الله . "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون." صدق الله العظيم .
حمادي التازي.