عرى الإخوان مصر المحروسة، وجعلوها مجرد بلد يسترق النظر اليوم بطوله جهة دوحة الخير من أجل نيل بعض الدولارات على سبيل الصدقة الجارية. المرشد وجماعة المرشد، وبعد أن تنصلوا أولا من ثورة الشباب، عادوا وقاموا بالسطو عليها لما تأكدوا أن زمن مبارك قد انتهى وأن الضوء الأخضر الأمريكي قد أعطى الإشارة لبدء زمن الإخوان، فأصبحوا فجأة ثوريين، وقادوا انقلابا محكم التفاصيل على مختلف تطورات العملية السياسية في مصر بمباركة واتفاق مع العسكر الذين ضمنوا عدم المساس بهم، فكان ما كان من تولية رجل يسمى محمد مرسي العياط أمر المصريين والمصريات المساكين.
لا نتدخل في شؤون دولة خارجية صديقة أو غير صديقة، فهذا الأمر ليس شأننا. لكن مصر لم تكن في يوم من الأيام دولة أجنبية ولا دولة شقيقة، ولا دولة صديقة. مصر كانت هي مصر. نتحدث كلامها، ونغني غناءها ونحفظ حوارات أفلامها، ونعيش مع أبطال رواياتها ومسلسلاتها. نعرف سيد درويش ومتنه أكثر مما يعرفه المصريون ربما، ونترنم بأم كلثوم أو بحليم أو بعبد الوهاب أفضل من كثير منهم، ولنا في نجيب محفوظ وبقية السلسال المجيد من المبدعين الدليل التام على أن هذا البلد لم يكن أبدا غريبا عنا.
لذلك حينما نتحدث عن مصر نتحدث بألم من يهمه الأمر. هنا المسألة لا تشبه الحديث عن دولة لقيطة من دول الفجأة التي تنبت بسبب برميل غاز وتنقرض بسبب انقلاب فردين على فرد ثالث. لا، مصر الحضارة أكبر من ذلك بكثير، لذلك يحز في النفس كثيرا أن يحكمها التطرف، أن تسودها فتاوى التخلف، أن يتوارى إعلاميوها وفنانوها ومبدعوها وكتابها إلى الخلف، وأن تطفو على الواجهة فقاعات التخلف المريعة، بـ”الشطابات” المتسخة المتدلية أسفل الذقن دلالة عدم الانتماء لوقت الناس هذا وعدم العلم بوجود شفرات متميزة لحلاقة الوجه والاعتناء به، وبالكلام المتسخ الرديء الذي يسيء لدين الإسلام قبل أن يسيء لأي جهة أخرى من الجهات التي يستهدفها قوم الجهالة العمياء ممن ابتليت المحروسة بهم في الزمن الأغبر الحالي.
لذلك وحين مسنا عريان الإخوان المسلمين، ولم يجد أي بلد غير المغرب لكي ينتقده وينتقد دوره في لجنة القدس، فهمنا أن الإشارة صدرت من التنظيم العالمي باستهداف البلد العصي على الاختراق. قيل لإخوان المغرب “نتوما ماقادين على والو، خليونا حنا نتكلفو”، لكن “النقب جا على شونة” مثلما يقول المصريون أنفسهم. هذا البلد ولأسباب عصية فعلا على كل تفسير، وتختلط فيها كل الأمور، أكبر من التنظيم العالمي، وأكبر من الدعم الخارجي الموجه بعناية من أجل استكمال خارطة “الثورة” الكاذبة، تلك التي لا وصف لها إلا وصف “الربيع المتأسلم”، ولا شيء آخر.
طارق العريان بالنسبة للمغرب أصغر من الرد عليه. في مثيل هاته الحالات تكتفي بسبه وتمضي، لأنه لا نقاش مع من كان عميلا للخارج ضد بلده، ولا حوار مع من يضع يده في يد الشيطان فقط لكي تصل جماعته السياسية إلى الحكم. الأهم من هذا أن نقول ما قلناه لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، وتمنينا من إخوتنا هنا في الفرع المغربي للتنظيم أن يوصلوه بأمانة: اليوم لديكم حكم الجمهورية العربية المصرية. لديكم الرئيس، ولديكم عسكر يسكت عما تفعلونه بالبلد، وفلسطين لا تبعد عنكم إلا بضعة فراسخ، وأنفاق حماس الرابطة مع غزة مليئة بإرهابكم الذي تقتلون به أبرياء الفلسطيينيين من أجل جماعتكم، فلم لا تمثلوا دور الرجال الحقيقيين، وتعلنوا الجهاد ضد إسرائيل؟
صعب ربما، وستطرد أمريكا جماعتكم كلها من مصر؟ طيب، طبقوا ما قاله الحديث وغيروا المنكر بدرجات. أقفلوا على الأقل سفارة إسرائيل في قلب قاهرة المعز. قلدوا المغرب يوم أقفل مكتب الاتصال الإسرائيلي احتجاجا على قصف إسرائيلي واحد للقطاع.
لن تستطيعوا، ومرة أخرى سيقول لكم البيت الأبيض إنكم أخللتم بالاتفاق الذي حملكم إلى قصر الاتحادية، والقاضي بأن تبقى :”السفارة في العمارة” إلى ما شاء الله؟ طيب، على الأقل استدعوا السفير المصري للتشاور، أو أبلغوا السفير الإسرائيلي أنه لم يعد مرغوبا فيه في مصر.
لا تستطيعون كل هذا؟
إذن فما الذي تستطيعونه؟
أوه، نعم، تذكرنا. تستطيعون الجهاد في المسلمين. تستطيعون تكفير قومكم على امتداد اليوم بطوله. تستطيعون فتاوى النكاح بمختلف أنواعها. تستطيعون محاربة الفن والفنانين. تستطيعون إقفال التلفزيونات وإرسال الإعلاميين إلى السجن. تستطيعون الهباء ولا تستطيعون شيئا معقولا، بكل بساطة لأنكم لم تكونوا جديين في يوم من الأيام في ادعائكم الدفاع عن الإسلام أو رفع رايته.
أنتم ترفعون راية جماعتكم المظلمة، وفي سبيلها مستعدون لكل أنواع الخيانات. لذلك يسرنا حقا أن يتطوع الناطق الرسمي باسمكم لمهاجمة بلدنا. الأمر في الختام نيشان شرف أكثر منه أي شيء آخر أيها… المتأسلمون.