يبدو أن علي المرابط فقد بوصلة التحكم في أعصابه، مرة أخرى، فخرج خرجة غير محسوبة العواقب، بخطاب كله تناقضات.
أولى هذه التناقضات أن السيد علي مع الملكية البرلمانية التي سماها الحقيقية، وكأن هناك ملكية برلمانية "مزيفة"، وحتى لو أن المغرب أخذ بنظام الملكية البرلمانية فإن ذلك لن يشفي "الرجل" من عقدة ما يُطلق عليه المخزن، وحتى لو أن المغرب ـ مثلاـ اختار النموذج الإسباني، فإن هذا النموذج يحتاج إلى العديد من التعديلات لكي يتطابق مع نموذج علي المرابط، الذي لم يفصح عنه في حواره مع الموقع الالكتروني "زنقة 20". لأن المتشائم لا نموذج له غير زراعة اليأس.
ثاني هذه التناقضات أن السيد علي يستكثر على الملك دعوته المغاربة للتصويت على الدستور بـ "نعم"، صحيح أن الملك ملك الجميع، لكن كان أمام خيارين إما خيار الدعوة إلى التصويت بنعم على الدستور، وإما خيار الاكتفاء بتقديم الخطوط العريضة لمشروع الدستور من دون أن يكلف نفسه عناء دعوة المواطنين إلى التصويت بـ "نعم"، غير أن الملك اختار تحمل المسؤولية، لأنه ليس من المنطقي أن يعلن الملك عن الإصلاح دستوري، ويشكل لجنة لهذا الغرض، ويكتفي التفرج.
لم يشأ الملك طبعا، بحكم دوره كحكم، أن يترك الشعب "ضحية " الأهواء، بل رسم له الطريق، لكنه لم ينخرط في أية حملة انتخابية لأن تلك المهمة موكولة دستوريا للأحزاب والنقابات والمجتمع المدني. ومع ذلك فإن السيد علي يقر عن وعي أو عن غير وعي أن لديه أملا في هذا الدستور مادام قرر أن يمتحن "صدقية هذا الدستور" وهذا اعتراف ضمني أنه يحمل بين طياته الكثير من الإيجابيات، فهو "لا يمنع المواطن المغربي أن يكون ملكياً أو جمهورياً أو شيئاً أخر"... فلماذا يصر السيد علي إذن على التنصيص دستوريا، على منع ذلك مادامت القانون لا يعاقب على الأفكار، والمبادئ، والقناعات، شريطة أن لا تتحول إلى تحريض وتضليل وافتراء...
ثالث هذه التناقضات أن السيد علي ينفي وجود قانون للصحافة بالمغرب، علما أنه هو نفسه أصدر مجلة ثم جريدة وفق فصول هذا القانون، وحصل على بطاقة الصحافة طبقا لمقتضيات هذا القانون ، ولكن لما طالته عقوبات هذا القانون نفى وجوده أصلا. واختار طريقا آخر، عبر موقع الكتروني، لا يربطه بالمهنية إلا الخير والإحسان، لأنه لا يبت الأخبار، بل ينشر التعلقيات التي بواسطتها تتم تصفية الحسابات، وخدمة الأجندات.
رابع هذه التناقضات أن السيد علي اعتبر حركة 20 فبراير بمثابة محرك للشعب أو الشغب، لكنه نسي أن خلف هذه الحركة تختفي فيالق العدل والإحسان، التي تستعد للانقضاض على كل المكتسبات تحت مبرر "القومة" وإحياء نموذج دولة الخليفة، أما مطالب شباب 20 فبراير فقد تمت تلبيتها في الدستور الجديد، الذي هو الآن قيد التفعيل.