"هزلت حتى سامها كلّ مفلس" هكذا باختصار نختزل ما يحدث في المشهد الحزبي المغربي، وهكذا نمارس حقنا الوطني ونمضي أبعد من ذلك بالقول إن الأحزاب المغربية أصبحت هي الضحالة نفسها، والسياسة مهنة لكلّ من هبّ ودب، وكل شيء متوقع ومحتمل في سيرك سياسي كان الراحل الحسن الثاني وصف به مرّة البرلمان المغربي، لكن الوصف تجاوز سقوف القبّة بغرفتيها إلى الحكومة وأحزاب الأغلبية، وما زاد المشهد هزالا وكاريكاتورية هو مواقف المعارضة وخرجاتها الإعلامية وفي بيانات أقل ما يقال عنها إنها عصير الانتهازية والتخلف في الوصول إلى الحقائب الحكومية.
إن الحقيقة المرّة التي تعرّت أكثر قبل وبعد وضع الانسحاب/و البقاء في آن واحد، لحزب الاستقلال من الأغلبية الحكومية، أن انسحاب المواطن من ممارسة حقه في الديمقراطية وعزوفه عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، ليس في وجود أو غياب الديمقراطية وكذا نسبة حضورها كحقنات وجرعات تجري في شرايين الدساتير المغربية، لكن في غياب ديمقراطيين حقيقيين، فلا أحزاب ديمقراطية ولا برامج ديمقراطية ولا قيادات ديمقراطية ولا قواعد ديمقراطية، اللهم اللغط والهراء وانتفاخ أوداج كلّ الزعماء ب"المطالبة بمزيد من الديمقراطية لوقف الغلاء"؟؟ التي نشك أن يشرح لنا واحد منهم تاريخ تطورها فقط من كلمة" ديموس كراطوس" ما يعني رجل الشأن العام عند الإغريق إلى ممارسة علمية وفلسفية وسياسية تطورت من المدينة الفاضلة لأفلاطون وصراع اسبارطا وأثينا إلى يومنا حيث العالم المتقدم دخل مرحلة جديدة في التطور السياسي ما يصطلح عليه ما بعد الديمقراطية و ما بعد حقوق الإنسان الكلاسيكية(..)
السياسة لدى أحزابنا والتطورات المتسارعة في العالم كنهر جارف، ضفتان لا تلتقيان إلا في صالونات الخطابة والكراسي الرخوة، أو التزاحم على أضواء كاميرات مجلس النواب، والإبداع في فن "تاحلايقيت" أو"تاشلاهبيت" فسيّان عندنا وعند العموم، زعماء كالطواويس المنفوش ريشها بالريح أو الديكة الرومية المنتفخة بالخواء، لكن المصيبة أنها هذا العبث تسميه الوطنية وروح المواطنة والنضال من اجل القفة اليومية للطبقات الشعبية، فقط أن المغاربة الذين لا ندعي تمثيلهم في هذا الكلام، ولكن من أنصتنا إليهم، يردّدون بشماتة المثل الشعبي "اللي شفتيه راكب على قصبة قول ليه مبروك عليك العود".
الوضع العالمي فظيع، الحروب في كلّ مكان، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعقائدية تتفاقم بشكل مريع، والتطاحن في العالم المتقدم بين الأفكار والبرامج السياسية والاستراتيجيات الاقتصادية الناجعة والفعالة، في أوربا وأمريكا وآسيا واستراليا، الفكرة العلمية تلغي نظيرتها الفكرة العلمية الأخرى، والصراع بين الأدمغة من أجل فتح نفق في عتمة الأزمة، الساسة في كل مكان يبحثون عن حلول مقنعة للناس ويدافعون عنها،ضد الساعة وسيف التاريخ المهند، أما عندنا فساستنا منشغلون بتصوير بعضهم البعض بقوارير الجعة كفضائح سياسية، الجعة التي تباع في كلّ مكان ويجب أن تكون كذلك، ولفافات الحشيش الذي يجب أن يصبح خاضعا في بيعه لقانون تستفيد منه الدولة عوض التجار السريون، أو فتاوى من قبيل "قضية عصيد" أو الاستنجاء هل يبدأ من الأمام أو من الخلف، و عندما تصعد السياسة الى الحضيض من تحت الأرض في المغرب، فتابعوا هزال شباط وبنكيران و التراشق بالكلام والتهم التي تزيد البلد تقهقرا، وقضية وطننا ضبابية إلى حد أن مؤتمرا في جنوب إفريقيا انعقد في غضون المهزلة السياسية الأخيرة للبرلمان الإفريقي، حضرته أميناتو حيدر وتونس والسودان أبدت مواقف خطيرة من القضية الوطنية وتمخضت عنه قرارات ليست في مصلحة بلادنا وتلك حكاية نسأل عنها وزراءنا؟؟
كلمة لابد منها، اذا كانت السياسة مجرد دجل وشعوذة فنحن نقترح مكي الصخيرات لقيادة الحكومة، لربما ستنسجم الأحزاب مع ذاتها، وبرامجها تصبح معبرة عنها وليست مصنوعة بطريقة ال"كوبي كولي" من الانترنيت عن أحزاب أخرى.. والمقصود هو الغش الذي يطال حتى البرامج الانتخابية والسياسية الحزبية.