للكاتب الدكتور حاتم السكتاني.
عشر سنوات مرت على أحداث 16 ماي الأليمة، مرت وكأنها البارحة ولازالت جراحها لم تلتئم حتى الآن. يستحضر المغاربة ذلك اليوم الذي لن ينسى أبدا بكثير من الألم والحسرة. لقد عرف المغرب أحداثا مشابهة في أطلس أسني بمراكش كانت وراء إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر، إلا أن أحداث 16 ماي كانت أكثر عنفا وفتكا بالأبرياء وأكثر اتساعا من حيث عدد الأماكن المستهدفة وكذا نوعية الضحايا من أجانب ومغاربة مسلمين ويهود.
أياما قبل هذا الحادث كان المغرب في غمرة الاحتفال بميلاد ولي عهد عرش المملكة مولاي الحسن وكانت في كل مدن المغرب أعراس واحتفالات بهذا الميلاد السعيد وكنا نتجول ليلا ونهارا في أمن وطمأنينة قل نظيرها في بلدان العالم. ولعل أيادي الغدر أرادت تعكير صفو هذه الأجواء السعيدة كما فعلت عند الاحتفال بقبول ملف لندن في الأولمبياد وقبيل انتخابات إسبانيا بل وحتى في ماراتون بوسطن الأخير. أي أن هذا النوع من الجرائم يحركه نفس المنطق ويختار نفس التوقيت لتنفيذ مخططاته الدنيئة، وباستقراء هذه الظاهرة الإجرامية الخطيرة عبر العالم يمكن الجزم بأن الإرهاب لاوطن له ولادين ولاملة له، جريمة عابرة للأوطان والقارات ولاوجود لأي دولة اليوم يمكنها الإقرار بأنها في منأى عن هذه الظاهرة. ومن هنا تبرز ضرورة تظافر كل جهود الدول المنضوية تحت مظلة الأمم المتحدة من أجل اجتثات هذا الورم الخبيث من الجذور.
لقد أجمع كل المختصين والباحثين في مجال الإرهاب على أن المال عصب الإرهاب لذا وجب التحوط بمنع تمويله، وأن الفكر الشاذ شريانه لذا وجب وقف مده بالأوكسجين، وأن الحقد الدفين وقوده لذا وجبت محاربة خطاب الكراهية بخطاب الحب لإطفاء لهيبه.
لايمكن للإرهاب، إذن، أن يستكين دون وجود تمويل لما يتطلبه من استقطاب للأفراد وتجييشهم وكذا برمجة وتنظيم وتخطيط هذه الأفعال الجبانة وكذا شراء الأسلحة والمواد المتفجرة وأجهزة الاتصالات الحديثة ووسائل النقل واللوجستيك العابرة للحدود وللقارات.
إضافة إلى المال يأتي دور المنظرين "أساتذة" وشيوخ ورهبان وحاخامات متطرفين يتخذون من الدين أو من الإيديولوجيا العقيمة مطية لتنفيذ مآربهم فيصدقهم شباب مندفع وشباب أمي وشباب طائش وشباب ناقم وشباب محروم بل وشباب مختل عقليا، فتسهل عملية الشحن والبرمجة تماما كما تحدث مع برامج الكمبيوتر طالما أن هذه البرامج منسجمة مع نوعية الحاسوب. ومع مرور الأيام ينمو حقد كبير اتجاه قيم الخير والمحبة والإنسانية وينزوي الإرهابي في خلوته بعيدا عن الدفئ الأسري ويعيش في هامش المجتمع باقتناع صميم أنه قائد أو أمير مخلص للعالم فيصاب بانتفاخ مفرط للأنا يجعل الرجوع إلى نقطة الصفر صعبا بل مميتا.
نعم إن الإرهاب لاوطن له فهو فيروس وطاعون اجتاح كل دول العالم وحواضره من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وفجعت مدن ذات شأن كبير كواشنطن ونيويورك وبوسطن وأوكلاهوما ولندن وباريس ومدريد وإسطنبول والريحانية وشرم الشيخ والرياض وبغداد وجربة والجزائر العاصمة وجاكارتا وطوكيو وطبعا مدننا الغالية كالدارالبيضاء ومراكش. لسنا إذن في منأى عن أيادي الإرهاب الملطخة بدم الأطفال والنساء والأبرياء ولاعلاقة لديننا الإسلامي السمح بإزهاق النفوس البريئة بغير حق ولاصلة له بترويع المدنيين المسالمين. الأصل في ذلك أن ديننا تنصل من كل التصرفات التي تتميز بالخسة والجبن والدناءة والكراهية طالما أنها لاتوفر للضحية فرصة الدفاع عن نفسه وتأتيه على حين غرة وهدف الجاني لايتوقف عند قتل وترويع الأبرياء بل إلى بعث رسالة إلى الدولة تفيد أن جميع نقاط تواجدها أو تواجد مواطنيها أو ضيوفها مستهدفة وتحت قبضتها لذا نعت االإرهاب بكونه جريمة رمزية وإيديوليوجية تحاول، فاشلة، تمرير خطابها الدموي.
وفي الأخير لكم أتمنى لو أن مصطلحا آخر يعوض كلمة إرهاب لإحالتها على آية قرآنية "ترهبون به عدو الله وعدوكم" ليستغلها بعض الأميين بل والإرهابيين الناقمين على الإسلام لكي يبرهنوا على أن الإسلام يأصل للإرهاب والأصل في هذه الآية أنها تدعو لإعداد العدة لاتقاء شر المعتدي تماما كما قيل في مثل روماني قديم "من أراد السلم استعد للحرب". العدة والعتاد إذن لايعنيان أبدا سفك أرواح الآمنين المسالمين ... ولهذه الغاية أقترح استبدال مفهوم الإرهاب بمصطلح "طيروريزم" تماما كما نطلق على بعض الأمراض مصطلحات عالمية كالإيدز والروماتيزم وكذا الرموز الكيميائية لكي يتحدث العالم لغة واحدة ويقف وقفة واحدة ضد هذا الوباء الزاحف، أملي في ذلك أن يستطيع العالم يوما ما إنشاء محكمة دولية للإرهاب وقانونا دوليا للإرهاب يعلو على مفهوم إقليمية القوانين التي أثبتت محدوديتها في علاج هذه الجريمة بالذات طالما أن التخطيط والتنفيذ قد يتحدى حدود الدولة المعتدى عليها وطالما أن المجرمين والضحايا على السواء من متعددي الجنسيات.
أقول للمتحاملين على القانون 03-03 لمكافحة الإرهاب بالمغرب أنه أتى على عجلة لسد الفراغ القانوني في هذا المجال ونحن الآن على استعداد لتنقيحه وتحويده بما يكفل المحاكمة العادلة للجميع وبما ينسجم وروح الدستور الجديد للمملكة ورغم إعجابي اللامشروط بشعار "ماتقيش بلادي" إلا أنه كان واجبا علينا ونحن في هذه الحرب العالمية على الإرهاب أن نضيف "ماتقيش بلادي وبلادات الناس" حتى تكون للإدانة مفهوما أوسع ومفهوما متضامنا مع كل هذه الأرواح التي أزهقت منذ الحادي عشر من شتنبر 2011 مرورا ب 16 ماي 2003 وأركانة 28 أبريل 2011 .... الرحمة لكل هؤلاء الأبرياء واللعنة على الإرهاب والإرهابيين. الجهاد الحقيقي إذن هو ذاك الجهاد الذي يبني ويعمر لاذاك الذي يقتل ويدمر.