عندما يصرح مستشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر مختار الكسباني عام 2011 بأن المغرب يضم أكبر تجمع يهودي في العالم وبه أربعة وزراء يهود، يتناسى أن هناك فرقا بين الصهيونية واليهود الذين كانوا يسكنون المغرب قبل أن يتخصص في آثارهم وآثار غيرهم، وربما لم يطلع على تاريخ المملكة التي احتضنت جميع مكونات شعبها ثقافيا وسياسيا وإثنيا ودينيا لتتكون وصفة متعددة المشارب أشار إليها دستور 2011 وكانت قبلة في تعايش اليهودي مع المسلم في الأسواق والأحياء السكنية ومسالك الحياة كلها.
أما بخصوص علاقة المغرب بالقدس فلا يخفى أنها قديمة وتعود إلى تواريخ متقاطعة بين السلم والحرب في المنطقة. فصلاح الدين الأيوبي هو الذي أقطع المغاربة جزءا من أرض القدس تمثلت في عقارات وأوقافا من بينها مسجد ومدرسة كان يدرس فيها المذهب المالكي.
عندما قال الكسباني بأن الكيان الصهيوني يريد أن يتغلغل ليس في القدس فقط بل في سائر الأراضي العربية فهذه حقيقة يعرفها طالب في الإعدادي وليست اكتشافا سياسيا أو جغرافيا مهما. ونأتي للحل في نظره لوقف هذا المخطط بعقد مؤتمر إسلامي موسع وسحب ملف القدس من المغرب وإعطاءها لتركيا ذات العلاقات الواسعة مع أوروبا وأميركا والكلمة المسموعة في المحافل الدولية. وكأن المملكة المغربية ذات التاريخ التليد قد فصلها هذا الشخص عن جغرافيتها وشخصيتها الإسلامية وأراد أن يحرمها من الدفاع عن أرض مسلوبة ومكان مقدس يهم جميع المؤمنين وامتداد طبيعي روحيا وثقافيا وسياسيا للمغاربة ككل.
في العام 2013 يأتي آخر فرسان عصر الإخوان العريان ليغني نفس النشاز ويعظ نفس العظة الموبوءة. إنها سياسة على مقاساته المتواضعة ولا نعلم من نصبه وصيا على الشعب الفلسطيني والعبقرية الفلسطينية. فالقضية الفلسطينية لم يتلاعب بها المغرب سياسيا من أجل مكاسب أو تمرير مواقف او ابتزاز أطراف بل عبر عن مواقفه النبيلة قيادة وشعبا خدمة للقدس الشريف والمسألة الفلسطينية التي كانت حصان طروادة لكل من أراد ملاعبة السياسة من أبوابها الخلفية.
فانظروا ما الذي فعلته طهران في هذه القضية حيث قدمت شعارات لدغدغة الشعور الديني والقومي عند المسلمين لا اقل ولا أكثر. وعصام العريان كمسؤول في دولة الإخوان نجده يلاعب القضية بنفس الآليات والدوافع والاختيارات السياسية التي وجب تحمل مسؤولياته اتجاهها أمام الله والشعب والتاريخ.
إن الدجل باسم القضية الفلسطينية وقبلها بقيم الإسلام النبيلة سيزيد من نقاط العدو في حربه ضد القدس وقضايا المنطقة والإسلام، حيث أن استغلال الدين لمصالح لا تمت بصلة لمصالح المسلمين الحقيقية في العدالة والكرامة والتقدم لا يصب في مصلحة المسلمين كافة.
لقد جانب عصام العريان الصواب بتدخله في شأن لا يغني الدفاع عن القدس بل يخدم الصهيونية في مزاعمها. إنه الانحراف والزيغ في أبشع صوره فمصر العزيزة علينا تستحق سياسيين أفضل من هذه الأشكال الذين عندما تحاصرهم متاريس الحقيقة يحاولون التشبث بأهداب فلسطين وأركان الأقصى علها تنجيهم من العنجهية والتصرف الأرعن. إذن الأزمة أزمة قصور في الاجتهاد الحقيقي وتقديم حلول مبتكرة وآراء غير مبسترة حتى لا ندخل في متاهات لا حد لها، نرى أن هذا الإخواني يريد اصطناع معارك تخدم أهداف تنظيمه ومن ينفخ في تكوينه وانتحال صفات وأوضاع هجينة بعيدة عما دعا إليه إبن عطاء الله السكندري في حِكَمِهِ.
لجنة القدس التي يترأسها المغرب قدمت المال والوقت والجهد والمتابعة ولا تعوز المملكة النخوة ووحدة الشعور والولاء المطلق للإسلام والمنطق النبيل والإخلاص في التعاطي مع قضايا الأشقاء والمستضعفين. ونقول لعصام العريان انك غير معصوم من الخطأ ونذكرك بأنه ليس في مصلحة شعوبنا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها أن نتجادل فيمن يحمل اللواء لكن وجب دعمه وتقويمه بإخلاص، فالدخول والمساهمة في عملية تفتيت أجزاء الوطن الواحد والعمل على تشتت وتمزق ما تبقى من قوته، لا يمت بصلة إلى دعوة الإسلام الحقة ونشك في دعوتك العارية من منطق الالتزام بالحق الإسلامي في الحرية والعدالة.
نعم نتحدث بالعاطفة والمنطق. فالقدس الشريف منذ زمن بعيد وهو يتعرض لشتى أنواع القصف الممنهج لتركيع المسلمين كافة. ونعلم أن المملكة المغربية وقفت دائما مع الحق في الدفاع عن القدس وفلسطين على جميع المستويات والمنتديات وتأكدت بترؤس الملك الراحل الحسن الثاني لجنة القدس وتسلم مشعلها من طرف الملك محمد السادس.
إن القيادة السياسية والدينية تحتاج إلى تكوين يتفوق فيه الحس بالمسؤولية قبل كل شيء خدمة للشعب أولا، وللإنسانية ثانيا وبحث حثيث عن السلام والأمن والكرامة فأين أنت من هذا أيها القيادي الذي تختلط عنده المناسبات والقضايا فتبدأ في التجديف؟ وما دمنا في حضرة القدس الشريف الذي يحتاج إلى عقول وأرواح جبارة للدفاع عنه أكثر من مهرطقين وأدعياء حق.
دعني أذكرك بما قاله الملك الراحل الحسن الثاني رئيس لجنة القدس في خطاب افتتاح اجتماعها الثاني بمراكش: "نحن مكلفون ومطوقون بأمانة مقدسة أمام ضمائرنا وجماهير المسلمين وأمام التاريخ ويوم الحساب".
إذن لا شك أن التاريخ دائما ما كان منصفا فلتتعلم منه سيد عصام العريان ولتكن أكثر حذرا في مناوشاتك وممارساتك لأمور الحكم والسياسة فَرَحَاهَا أشد ملمسا وتتطلب حكمة وحنكة وخبرة في التناول ومستوى الخطاب وسوف نعذرك فلست "لِعِّيبْ" سياسة كما يقول اللسان الشعبي المصري الأصيل.
محمد بن امحمد العلوي