خير الله خير الله.
من حسن الحظ أن السخف لم يعد يقتل. إنه مثل فرنسي قديم ينطبق على حالات كثيرة. لكن اكثر ما ينطبق عليه اليوم هو احتفال جبهة “بوليساريو” قبل أيام بالذكرى الاربعين لتأسيسها. ولمن لا يعرف ما هي “بوليساريو” وما حققته في اربعين عاما، يمكن الاشارة الى ان الجبهة، التي عادت الى التهديد بالسلاح، ليست سوى اداة جزائرية تستخدم في عملية ابتزاز للمغرب.
احتفلت “بوليساريو” بالذكرى الاربعين لتأسيسها في مخيمات تندوف في الجزائر حيث البؤس سيد الموقف. كان في استطاعتها أن تفعل ذلك في ظل السيادة المغربية ورعايتها من دون أي ازعاج أو حرج من أي نوع كان، وفي مدينة العيون نفسها، كبرى مدن الصحراء المغربية. كان في استطاعتها أن تفعل ذلك بدل اللجوء الى التهديدات ولغة السلاح ومشاركة الجزائر في الاستثمار في البؤس، وذلك في حال كانت حريصة فعلا على مصالح سكان الصحراء المغربية ومستقبل ابنائهم.
تدعي الجبهة أن هناك “قضية صحراوية”. الغريب أن الجزائر تلتزم هذه القضية من منطلق أنها مع “حق تقرير المصير” للشعب الصحراوي. ليس هناك من يمكن أن يكون ضد حق تقرير المصير لأي
شعب كان. لكن السؤال الذي يظل يطرح نفسه باستمرار يتلخص بعبارة واحدة: اين يعيش الشعب الصحراوي ومن هم الصحراويون الذين تتبنى الجزائر قضيتهم؟
الجواب بكل بساطة أن الصحراويين موجودون في كل الساحل الصحراوي، من المحيط الاطلسي الى البحر الأحمر. هل يمكن انكار أن عددا كبيرا من الموريتانيين صحراويون؟ هل يمكن تجاهل أن جزءا من الجنوب الجزائري منطقة صحراوية؟ لو كانت الجزائر حريصة فعلا على حق تقرير المصير للصحراويين، لماذا لا تقيم لهم دولة في الجنوب الجزائري؟ لماذا لا تطالب الجزائر بأن تكون موريتانيا دولة الصحراويين؟
هناك استخدام في غير محله لـ”حق تقرير المصير” وهو حق بكل معنى الكلمة. لكنه حق يراد به باطل. هذا كل ما في الامر. لا هدف لـ”بوليساريو” سوى جعل سكان الصحراء المغربية ومن يعيشون خارجها، ممن في استطاعتهم العودة اليها بكل حرية، يشعرون بالبؤس واليأس.
لذلك، نجد دائما، أن هناك من أهل الصحراء من يريد العودة اليها للعيش في ظل السيادة المغربية كمواطن يتمتع بكل حقوقه وفي ظل دستور عصري يحكم الحياة السياسية في المغرب ويتحكم بالعلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة كلها.
ليس سرا أن “بوليساريو” جربت اللجوء الى السلاح منذ استعاد المغرب صحراءه بفضل “المسيرة الخضراء” خريف العام 1975…وذلك بعد خروج المستعمر الاسباني منها.
طوال تسع سنوات، أي بين 1975 و1984، حاولت “بوليساريو” بدعم جزائري مباشر وبمباركة سوفياتية (من يتذكر الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة؟) ومساعدات ليبية أمنها السعيد الذكر، العقيد معمر القذافي، السيطرة على الصحراء عسكريا.
خسرت الجزائر حرب الصحراء، خصوصا بعدما استطاع المغرب تأمين حماية “الجزء المفيد” من المنطقة. تمكن المغرب من اقامة سلسلة من الجدران في الصحراء أمنت حماية لها من اعتداءات “بوليساريو”.
لم تقتنع الجزائر، الى الآن، بأن الحرب انتهت. استمرت بها ديبلوماسيا. هدفها واضح كل الوضوح ويتمثل في اقامة دولة “صحراوية” تدور في فلكها، في منطقة الصحراء المغربية، تؤمن لها ممر
ا الى المحيط الاطلسي. كل هدف الجزائر هو الوصول الى وضع الدولة المتوسطية والاطلسية في آن، على غرار ما هو عليه المغرب. بكلام أوضح، تسعى الجزائر الى أن تكون القوة الاقليمية المهيمنة في شمال افريقيا وذلك بدل الاهتمام بشؤونها الداخلية ومشاكلها المعقدة التي لا يمكن أن تحل من دون التخلي عن عقدة الدور الاقليمي.
يظهر، من خلال الخطاب الذي خرجت به “بوليساريو” في الذكرى الاربعين لتأسيسها، ان الجزائر لم تتعلم شيئا من تجارب الماضي القريب. لم تدرك الجزائر أن حرب الصحراء انتهت وأن المغرب انتصر في تلك الحرب. الأهم من ذلك، أن الجزائر لا تريد أن تأخذ علما بأنها خاضت، بين 1988 و1998، تجربة مرة طوال عقد من الزمن مع التطرف الديني والارهاب بكل اشكاله. لا تريد الجزائر أن تأخذ بالاعتبار أن الحرب على الارهاب جزء لا يتجزا من التعاون الاقليمي الذي في اساسه التعاون مع المغرب بدل العمل على اضعافه بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك الاداة المسماة “بوليساريو” ومن على شاكلتها من منظمات وتنظيمات وجماعات.
لم يعد سرا أن هناك علاقات مريبة بين “بوليساريو” وعصابات التهريب وكل ما له علاقة بالارهاب والتطرف في منطقة الساحل الصحراوي. هل عن طريق دعم “بوليساريو” تريد الجزائر خوض الحرب على الارهاب الذي يستفيد حاليا من الفوضى الليبة والتونسية؟
في الذكرى الاربعين لقيام “بوليساريو” يمكن استخلاص بعض العبر.
العبرة الاولى ان هناك لعبة وحيدة في المدينة. اسم هذه اللعبة مشروع الحكم الذاتي الموسع الذي طرحه المغرب للصحراء.
العبرة الثانية أنه لا يمكن الرهان على البؤس المتفشي في مخيمات تندوف من اجل تغذية الحقد على المغرب.
العبرة الثالثة أن ما يسمى “قضية الصحراء” هو مشكلة مغربية- جزائرية يمكن أن تحل بين الدولتين الكبيرتين بما يحفظ مصالح كل منهما من دون الاساءة الى أي صحراوي، بل بما يؤمن الحياة الكريمة لكل من يعتبر نفسه صحراويا.
المهم أن تبلغ الجزائر التي استقلت في العام 1962 حالا من النضج السياسي يجعلها تترفع عن الصغائر والتفكير السطحي، بما في الاعتقاد أن عائدات النفط والغاز يمكن أن تجعل منها قوة اقليمية.
ما يجعل منها قوة اقليمية يتمثل في المشاركة في الحرب على الارهاب والتطرف من جهة ومقدار قليل من التواضع من جهة أخرى. وهذا يعني في طبيعة الحال ادراك أنه لا يمكن أن تكون الجزائر في مواجهة مع الارهاب داخل اراضيها وفي تواطؤ معه خارجها… من اجل ابتزاز المغرب لا أكثر. كثيرون جربوا ذلك قبلها ذلك وفشلوا!