زربــــي مـــراد
في الوقت الذي يواصل فيه الاتحاد الأوروبي، ثالث أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، فتح بابه على مصراعيه، لانضمام باقي دول شرق القارة العجوز، ومد يد المساعدة لها ماديا أو تمكينها من تنظيم تظاهرات رياضية وغيرها قصد النهوض باقتصادها المنهكٌ. وفي الوقت، الذي عمل فيه على اعتماد عملة مصرفية موحدة، بالرغم من التفاوت الصارخ بين اقتصاديات الدول المشكلة للاتحاد، بهدف توحيد صفوفها وكلمتها، لمواجهة كل التحديات، متناسيا الماضي، وما عرفه من حروب وتطاحن بين بعض من دوله، لا يجد حكام قصر المرادية حرجا في تسخير ما بقي من عائدات غاز وبترول الشعب الجزائري المسكين في تمزيق وحدة المغرب الكبير الجريح كل ممزق، مشعلين فتنة من وراء حجاب لا يعلم مداها إلا الله في صحراء المغرب، وقد اشتروا الذمم ومونوا المرتزقة والانفصاليين، ضربا لوحدة جار لهم، يتقاسمون وإياه وحدة الدين واللغة والعروبة .
غريب أمر الجزائر وحكامها إذ يطمعون في صحراء دفع المغاربة تضحيات جسام لتحريرها، وإن كانت بلادهم من أكبر بلدان إفريقيا مساحة، وتسعون بالمائة من أراضيها، صحراء ممتدة الأطراف إلى حدود مالي جنوبا، وكل ذلك من أجل منفذ بحري وحتى تكون لها اليد العليا في المغرب العربي، وبعد ذلك يدعون مساندتهم للأقليات المستضعفة، ولو صدقوا لمكنوا القبايليين من حق تقرير مصيرهم.
يبدو أن طول أمد الاستعمار الفرنسي قد طمس هوية الجزائريين، وأقام جدارا سميكا مع عروبتهم، حتى أنهم قطعوا مع الماضي، وما عليهم إلا أن يتصفحوا كتب التاريخ، ليجدوا أن المغرب كان حليما متسامحا، وقد تنازل عن بعض من أراضيه المتواجدة بالعمق الجزائري حاليا بل إن الجزائر بأكملها كانت تابعة للمغرب إبان حكم المرابطين والموحدين وغيرهم، حتى أن دعوة الأولين انطلقت من لمتونة الواقعة بالصحراء.. أفبعد هذا كله يدعي بوتفليقة ما يدعيه؟!
لو أعاد الجزائريون الذاكرة إلى الوراء، لعلت وجوههم حمرة الخجل، وهم الذين كانوا سببا مباشرا في دخول الاستعمار الفرنسي إلى المغرب، بعدما عمد الأخير إلى نصرة الأمير عبد القادر بكل ما أوتي من قوة، ليدخل في مناوشات كشفت هشاشة القوة العسكرية للجزائر، ولولا تحرك دم العروبة في دم المغاربة، والتزامهم الحياد لما كان لفرنسا أن تجتاح المغرب أو على الأقل في ذلك الزمان، وقد كانت تخشاه، ظنا منها أنه لازال بمثل قوته، التي كان عليها إذ كان تحت حكم السعديين.
وما لا يستساغ، أن يكون بوتفليقة، الرئيس الجزائري الأكثر كرها للمغرب، وثوقا إلى النيل منه وهو، الذي عاش بالمغرب وترعرع به، بعدما فر من جحيم الاستعمار هو وغيره من إخوانه، الذين ردوا جميل المغرب وفضله عليهم غدرا وطعنا، دون أن يراعوا فيمن أكلوا من مأكلهم وشربوا من مشربهم.
والأكيد أن حكام الجزائر قد تولدت لديهم عقدة تاريخية مع المغرب خصوصا لما رأوا كيف أن الأتراك العثمانيين اجتاحوا بلادهم كما اجتاحوا بلدان العالم العربي بأسره، ولم يقف زحفهم إلا عند حدودهم مع المغرب إذ وقف المغاربة سدا منيعا أمام تقدمهم بل وهزموا جزائر بن بلة في حرب الرمال شر هزيمة، تعمقت على إثرها العقدة، فجعلتهم يتركون كل شيء، للتفرغ لمضايقة المغرب، باذلين في ذلك جهدا جهيدا، إلى درجة أن الجزائر هي أكثر بلدان المنطقة مسارعة للتسلح على حساب شعب حرم من أبسط حقوقه المشروعة، وهو المحسود لتواجده بدولة بترولية ،وتلكم قمة المتناقضات، حتى صارت جزائر الجنرالات توصف بالدولة الغنية ذات الشعب الفقير.
لنتصور حال جزائر بوتفليقة لو هي أنفقت ما أنفقته على شراء الأسلحة والعتاد وتقديم رشاوي للدول الإفريقية الفقيرة، حتى تغير موقفها من الوحدة الترابية للمغرب! أكيد أن الجزائر ستتحول بفضل نعمتي الغاز والبترول، التي أفاء الله عليها دون أن يحسن حكامها استغلالهما، إلى بلد مغاير لما هي عليه الآن، ولما وجد الجزائري حرجا في التكلم بلغة موليير، حتى ظن أنه أعجمي تحت ذريعة التقدم والحداثة، ولما ازداد بوتفليقة حرجا إذ اضطر إلى شد الرحال إلى فرنسا للعلاج بمستشفياتها، وهو الذي لا يكف عن انتقاد باريس وإبداء كرهه لها، على خلفية ما وقع إبان فترة الحماية.
وإذا كان بعض المغاربة يعتبرون تكالب الأعداء على بلادهم في الشمال والشرق شيئا عاديا، بالنظر إلى الحروب والاحتكاكات والظروف التاريخية، التي ميزت علاقة الرباط بكل من الجزائر ومدريد ،فإن ما لم يستطيعوا استيعابه، أن تواجه الدولة المغربية انفصاليي الداخل بعدما صرفت عليهم ميزانيات ضخمة، حولت الصحراء القاحلة حيث يقيمون إلى جنة خضراء ما كانوا ليسكنوها و ما كانوا ليحضوا بامتيازات بها، أضرت بالمغاربة أجمع وكأن المغرب بصدد محاباة المؤلفة قلوبهم، وإن كانت الأرض أرضه، انتزعها من أحفاد فرانكو بمسيرة خضراء، عرف بها العالم وشهد على نجاح المنظر لها القريب والبعيد والصديق والعدو وعلم بها الأعمى والأصم، حين كان من يطالبون بها اليوم في جحورهم مختبئين، خوفا من أن تسمع آذانهم إسم فرانكو فتصاب بالصمم.
إذا كان من أناس تنطبق عليهم مقولة: إرضاء الناس غاية لا تدرك، فهم المتسببون في فتنة الصحراء ومثيري الشغب، وقد عوملوا معاملة أبناء الفشوش، وميزوا عن المغاربة أجمع، حتى أن الطالب منهم تمنح له منحة مضاعفة ثلاث مرات، ناهيك عن النقل مجانا من الرباط إلى الصحراء، ومع ذلك لم يتردد في رفع راية البوليساريو بالحي الجامعي، كما يروي طالب قنيطري كان شاهدا على نكران الجميل.
ولعل التساؤل الذي نفسه يطرح بقوة دون أن يستطيع الانفصاليون الإجابة عنه، هو هل هم قادرون على تأسيس دولة قائمة بذاتها في الصحراء القاحلة، خصوصا في ظل الأزمة الإقتصادية، التي خنقت دولا بحالها يقام لها ويقعد؟! لاشك أن ذلك شبه مستحيل إن لم نقل مستحيلا إلا إذا كانت صحراؤنا تتفجر أنهارا من البترول، على غرار صحراء الخليج، التي لولا البترول لبقي إخواننا الخليجيون يعانون الفقر المدقع كما هو حال اليمن المسكين بشماله وجنوبه. وإذا كانت صحراء الخليج تتدفق آبارها بالذهب الأسود، استجابة لدعوة خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، إذ دعا ربه وقد بنى الكعبة المشرفة: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون، فإن التاريخ قد لا يعيد نفسه ،والأصح أنه لن يعاد أبدا، بوجود شياطين الإنس والجن، الذين يتقدمهم عبد العزيز المراكشي بتندوف وبوتفليقة بالجزائر.
نذكر الانفصاليين لعل الذكرى تنفعهم بجزيرة جبل طارق، وكيف أن سكانها رفضوا الانسلاخ عن حكم بريطانيا، والعودة تحت السيادة الإسبانية، فقط لأن بريطانيا دولة عظمى وأقوى اقتصاديا من إسبانيا ،وإن كانت بدورها دولة من الدول المتقدمة، فهل من السهل أن يقيم أصحابنا دولة فوق الرمال لوحدهم دونما الحاجة لتبعية دولة ما؟ ألن يجعلها ذلك دولة شبيهة بدول إفريقيا جنوب الصحراء أو أقل منها شأنا؟