الصحفي أو المحلل السياسي الذي يعرف تفاصيل ما قاله الرئيس الأمريكي أوباما للملك محمد السادس، وما قاله محمد السادس لأوباما وهما يتصلان ببعضهما البعض عبر الهاتف، لا يمكن إلا أن يكون ساحرا أو مشعوذا أو أنه كان يحمل هو الآخر هاتفه ويصيخ السمع للحوار، أو أنه كان يجلس مع الملك أو الرئيس الأمريكي، وهي كلها في رأيي فرضيات مستبعدة ولا يقبلها عقل.
هذه القدرة الخارقة على معرفة تفاصيل تفاصيل المكالمات الهاتفية بين زعماء الدول لم يكن يتوفر عليها إلا محمد حسنين هيكل، والذي مازال يحكي إلى حد اليوم بنفس الثقة عما قاله بوش لأمير ما في الهاتف، وما حدث في غرفة مغلقة حضرها رئيس وزراء إسرائيلي وزعيم عربي، وما قاله خبير ليس له اسم، ودكتور شبح ومشهود له في جامعة أمريكية غير موجودة بالمرة، والمؤسف أن العرب يحبون الصحافة متبلة بالدجل، ومخلوطة ببهارات الكذب واستغلال الجهل، ويتوجون حسنين هيكل كأكبر صحفي ومحلل سياسي عرفه تاريخهم، دون أن يجرؤ أحد ويقول له: وكيف توصلت يا أستاذ حسنين إلى كل هذه المعلومات، رغم أن ملاحظة بسيطة لمنطق حكي حسنين هيكل، تثبت أنه دائما يخترع الحدث ويدعي التوصل إلى المعلومة لخدمة أفكاره وميولاته السياسية والاتجاه الذي يريد أن يذهب إليه في الحديث.
الآن في المغرب أصبحنا نمتلك نحن أيضا حسنينات هيكل، وصار عندنا محللون يعلمون ما في الصدور ويسجلون المكالمات الهاتفية ويخبروننا مشكورين عما دار بين الملك وأوباما، وقبل أيام كتبت بعض المواقع عن اتصال هاتفي بين الملك وأوباما، في حين نفت مواقع أخرى استنادا إلى مصادرها العليمة في واشنطن أن يكون أوباما هاتف الملك أو العكس، كما لو أن ناقل الخبر كان بجانب أوباما في البيت الأبيض، أو أن زوجته هي التي نفت له ذلك، والحال أن لا أحد يمكنه إثبات الخبر أو نفيه، إلا الملك والرئيس الأمريكي، ودونهما فإننا نقع ضحية الدجل والافتراء والأخبار المغرضة.
وبعد أن ثبت فعلا وجود اتصال بين الملك وأوباما ووجود رسائل متبادلة بين الطرفين، وأصبح تكذيب ذلك عن طريق المصادر العليمة إياها غير ذي جدوى، خرج حسنين هيكل المغرب ينورنا بمادار بينهما، بفضل قدرته الخارقة في التجسس والتنصت على المكالمات والحضور في أمريكا وفي القصر الملكي في نفس الوقت، وأخبرنا أنه للأسف لم يعد بالإمكان نفي الاتصال، وأن أوباما أقدم على هذه الخطوة فقط من أجل تسهيل اعتراف الجامعة العربية بيهودية الأراضي الفلسطينية، ولولا ذلك لما اتصل ولما رد على المكالمة.
لسنا مع صحافة التطبيل، لكننا أيضا لسنا مع صحافة الحقد التي تجعل أصحابها فاقدين لصوابهم، يزعجهم أمر مكالمة هاتفية، ولأنهم منزعجون يتحولون إلى دجالين يحتقرون ذكاء القراء ويمارسون عليهم التضليل، ليفرضوا عليهم آراءهم بالقوة، الآراء التي عليهم أن يكتبوها ما داموا مقتنعين بها، أما أن يحولوها إلى أخبار وحقيقة ويدعوا أشياء لا علم لهم بها وينقلوا لنا تسجيلات المكالمات متفوقين على موقع ويكليكس، فهذا يجعل المتتبع ينظر إليهم بشفقة ويتأسف للحال الذي وصل إليه هؤلاء الأبطال الجدد، الذين وصلوا في سباق معارضة النظام متأخرين، بعد أن أدى المناضلون أدوارهم، وانفض الشمل