البروفيسور شارل سان برو*
يردد النظام الجزائري بلا كلل بأن انفصاليي البوليساريو يشكلون كيانا مستقلا وأن الجزائر ليست طرفا في النزاع حول الصحراء المغربية. إلا أن ذلك لن يخدع أحدا بعد الآن، لأن الجميع يعلم أن البوليساريو من صنع النظام الجزائري على عهد بومدين وفي ظل الكتلة الشيوعية. إنه في الواقع أحد آخر مخلفات الحرب الباردة.
وفي الآونة الأخيرة، بتاريخ 25 ابريل 2013، دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عبر قراره رقم 2099، "الدول المجاورة" للانخراط بجد وذلك لأجل وضع حد للمأزق الحالي الذي وصل إليه هذا النزاع؛ وهو ما يبرز بكل وضوح تورط الجزائر ودورها المحوري في ذلك. وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد أكد، في وقت سابق، أن الوضع الجيوسياسي الإقليمي يطرح بكل إلحاح وعجالة وضع نهاية لصراع دام أكثر من اللازم. ويبدو أن الجميع قد فهم الرسالة، باستثناء القادة الجزائريين.
في وقت تشتد فيه المناورات بشأن خلافة بوتفليقة وبموازاة مع تزايد واتساع الهوة بين الشعب والنظام، لا تزال الجزائر تقوم بردود فعل قديمة، تقارب اربعين سنة، وذلك باستمرارها في نهج حرب غاشمة ضد الجار المغربي.
وقد نشرت بعض المواقع المغربية وثيقة، مؤرخة في 16 أبريل الماضي، صادرة عن "اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي،"- وهي بلا شك واحدة من الأقنعة العديدة التي تختفي وراءها المخابرات الجزائرية- تخبر من خلالها أحد مسؤولي البوليساريو عن تقديم دعم مالي ل"النشطاء الصحراويين" للقيام بأعمال تحريضية في الصحراء المغربية. ويتعلق الأمر بإرسال بعض العناصر إلى مدن العيون والداخلة وبوجدور لتوزيع الأموال على متزعمي أعمال الشغب والشباب المجند لتصعيد المناوشات على أمل استفزاز القوات العمومية المغربية لتقوم برد فعل ضد المتظاهرين.
وهنا وجب طرح تساؤل مشروع ، بعيدا عن الحرب الكلامية وحرب البيانات، حول ما إذا كان وجود مثل هذه الهيئة بشكل علني وواضح ووسط الجزائر العاصمة، والذي يهدف أساسا إلى التخريب ونشر القلاقل، لأنه يرعى بانتظام المؤتمرات التي تدعو إلى زعزعة استقرار المغرب، ينسجم مع التصريحات التي تقول أن الجزائر ليست طرفا في النزاع.
من الحكمة أن يسأل أولئك الذين قد يميلون إلى ادعاء استقلال مزعوم لهذه "المنظمة" عن السلطات الجزائرية، إذ كيف يمكن لمنظمة من هذا النوع ان تغرب عن عيون الماسكين بزمام السلطة الغامضة والخفية بالجزائر، والذين يستغلون قضية الصحراء المغربية لصالحهم.
وتجدر الاشارة إلى ان الجزائر تعمد، في نفس الوقت، إلى الجمع بين أساليب التضليل القديمة للكتلة الشيوعية واللجوء إلى منظمات ووكالات الاتصال التي تستخدم تقنية القوة الناعمة.
وهكذا، يتم حشد منظمات غير حكومية أجنبية، نذرت نفسها للدفاع عن "حقوق الإنسان" وفقا لمعايير خاصة بها، لنشر هذه الاحداث. بعض هذه المنظمات لا تدخر جهدا من أجل إرضاء القادة الجزائريين(الميسورين)، ولو اقتضى الأمر ارتكاب أخطاء جسيمة بفعل هذا الاندفاع الأعمى.
وهذا ما رأيناه بخصوص مؤسسة روبيرت ف. كينيدي للعدالة وحقوق الانسان، التي نشرت على موقعها في الانترنت شريط فيديو يتعلق بالثورة التونسية أواخر عام 2010 في سيدي بوزيد، وقدمته على انه دليل للعنف الذي يرتكبه المغرب ضد السكان الصحراويين في العيون!
وشاهدنا أيضا على مواقع الكترونية أخرى اثنين من نشطاء منظمة العفو الدولية ينجزون روبورتاجا دعائيا لصالح الانفصاليين في تناقض صارخ مع ما يمليه عليهم واجبهم من موضوعية ونزاهة في التعاطي مع الأحداث ومقاربتها.
وهناك، بطبيعة الحال، شبكات لا تكل وهي دائما في وضع تأهب لخلق البلبلة والاضطرابات، وهي منتشرة في اوساط الجمعيات التي تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان، ويمكن لكل شخص قياس مصداقيتها بالنظر إلى طبيعة علاقاتها مع الموالين لليسار الراديكالي ما بعد 68 ، والذي استعاد مع قضية الصحراء المغربية نفسا جديدا واكتشف مصادر تمويلات جديدة.
ففي الوقت الذي عبر فيه المجتمع الدولي عن توجساته المشروعة حيال مخاطر عدم الاستقرار الكبير في منطقة "الساحل والصحراء" الشاسعة، حيث اقتنع أخيرا بان قضية الصحراء المغربية هي جزء من كل، من مالي إلى الصحراء المغربية، من المقلق على نحو خاص ملاحظة أن الجزائر لا تكتفي بتمويل وتسليح البوليساريو فقط، وإنما تقوم بتدبير مخطط شامل يهدف إلى زعزعة استقرار المغرب. إنها لعبة خطرة لا تهدد الاتحاد المغاربي فحسب، بل المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل مجتمعتين، أي بكل بساطة السلام والأمن في جنوب البحر الأبيض المتوسط.
*مدير مرصد الدراسات الجيوسياسية بباريس البروفيسور شارل سان بر
"نشر في موقع "تيتروم-بيللي.أورغ" بتاريخ 6 ماي2013
ترجمة محمد بوداري( بتصرف)