الوجه الآخر لرجل سحبت منه جماعته لقب " المرشد"
لم يعثر محمد العبادي،الأمين العام لـ "العدل والإحسان" ( بين قوسين)، لأن هناك من يمسك حقيقة بتلابيب الجماعة، أما العبادي فمجرد رجل مغلوب على أمره أو واجهة، يشبه إلى حد بعيد السلطان بنعرفة... ( لم يعثر) ما يستأسد به سوى خرجة إعلامية غير محسوبة العواقب لصحيفة "الشروق" الجزائرية، لم ينجح، من خلالها، في تبليغ أية رسالة، لكنه بالمقابل كشف عن ضعف في تكوينه، إذ أن الأسئلة في واد والأجوبة في واد كما يقول المغاربة. أما "الإخوة" الجزائريون، فقد انتهزوها فرصة ليأكلوا الثوم بفمه.
محمد العبادي، هذا الرجل الذي يأخذ بلحيته فتح الله أرسلان، لم يجد ما يقوله سوى أن نظام الحكم المعتمد بالمغرب ليس من الإسلام، من دون أن يقيم أية حجة على ذلك، وإلا ماذا يقول في البيعة والإرث والزواج والطلاق والحضانة... وفي الأحكام المبنية على أصول الفقه الإسلامي من اجتهاد وقياس واستصحاب واستحسان...
ولا شك أن الجماعة حين اختارت أن تجرد محمد العبادي من لقب "المرشد" فقد كانت على صواب، لأن "أهل مكة أدرى بشعابها"، فالرجل " على قدْ الحال"، لا يفقه في أسس الفقه، ولا في مسالك الشريعة، ويريد أن يعود بنا إلى الجاهلية الأولى، وقد ظهر الارتباك جليا في أجوبته.
محمد العبادي يعتبر أن نظام الحكم في الإسلام مبني على الشورى وليس الملكية، مسقطا من حسابه أن البيعة لأمير المؤمنين التي هي أسمى مظاهر الشورى، لأن الذين يقومون بها هم أهل الحل والعقد، وليس الرعاع، الذين تطاولت ألسنتهم في زمن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ثم ماذا يسمي السيد العبادي الانتخابات أليست مظهرا من مظاهر الشورى، وبواسطتها يختار الشعب ممثليه في المؤسسات الذين يمارسون مهامهم في التشريع عن طريق تقليب الآراء، وتبادل وجهات النظر في قضية من القضايا، أو موضوع من الموضوعات، واختبارها من أصحاب الرأي والخبرة، وصولاً إلى الصواب، وأفضل الآراء، من أجل تحقيق أحسن النتائج، وهذا هو التعريف الذي تقدمه الموسوعات لمصطلح: " الشورى". أما إذا كانت الشورى بالنسبة للأمين العام لجماعة العدل والإحسان هي " إسقاط النظام" أو " تطهير الشوارع بالدماء" فإن الشعب المغربي رفض ويرفض هذا الاختيار، وإذا كان يستهويه النموذج المصري أو التونسي أو السوري فما عليه إلا أن يرحل ويستقر هناك، فقد يجد في تلك الأمصار ما يُشبع شهيته للدم المراق على الأرصفة...
لقد فشلت العدل والإحسان في ركوب الحراك الاجتماعي الذي عرفه المغرب في 20 فبراير2011، واتضح أن لها نوايا لا تروم التغيير الذي كان ينشده الشباب الذين خرجوا للتظاهر في الشارع، بل " إسقاط" النظام، أو كما قال العبادي في هذا الحوار : " التخلص من الملك" من دون أن يوكل له أحد القيام بهذه المهمة إلا إذا كان جزءا من مخطط تموله الجزائر اليوم ( وتظهر معالمه في الأقاليم الجنوبية بشكل واضح) كما موّلت من قبل مخططات الانقلاب على نظام الملك الراحل الحسن الثاني.
والحال هذه، فإن إدعاء العودة إلى كتاب الله ليس إلا غطاء، مادام كل المغاربة متشبثون بمضمون هذا الكتاب، وأغلبهم يحمل سوره في صدره، وليسوا بحاجة إلى من يعيدهم إليه، أو ينصب نفسه داعية إليه مادام الرسالة قد بلغت منذ 14 قرنا من الزمان.
لا أتصور ماذا كان بإمكان العبادي أن يقول لو كان يعيش تحت حكم "الجمهوريات الديموقراطية الشعبية الاشتراكية" أو في أنظمة الحزب الوحيد والرأي الأوحد أو في أنظمة الفراغ القاتل والقمع الهالك ؟ وماذا يقول المغاربة بشأن جماعتكم التي تدعو بالشر للآخر وتريد إلحاق الضرر به وهي بدون حول ولا قوة، أما إذا كانت الأمور بين أيديكم، فلا أحد يعرف مدى التنكيل والاضطهاد الذي ستلحقونه بالناس في هذا البلد الأمين؟
إنه تكفير ظاهر لمجتمع بأسره حين يقول "سنتخلص من هذا النظام، ونعود لما جاء في كتاب الله. وكأن الإسلام منحصر فيه وفي جماعته، وكأن المغاربة شعب جاهلي وثني ينتظر الجماعة لإنقاذه من الضلال، بينما المملكة المغربية هي البلد الوحيد في العالم الإسلامي الذي يتم فيها تلاوة القرآن، جماعة، في جميع المساجد، عند مطلع الفجر وعند غروب الشمس، وقراءة سور من المصحف، جماعة ، يوم كل جمعة ، وقيام الليل بالتراويح في شهر رمضان...
حمادي التازي