سعيد المودني.
نعم هو الإرهاب مفرج الكروب وقاضي الحاجات وميسر الصعاب ومذلل العقبات... حبيب الجماهير!
أليس الرمي به هو السبيل المخلص من المشوشرين الداعين للفتنة التي يسمونها إصلاحا كما يزعمون؟.. فلا أسهل من إضافة ياء النسبة لهذا المصدر "الجوكر".. وتكون النتيجة تحقيق المراد بأقل التكاليف وبحكم القانون وبالإجماع الوطني، بل والدولي أيضا، وهذا في كل دول المعمور..
أليس هو السبيل لسن ترسانة قانونية، ومنظومة أمنية، لضمان السيرورة الآمنة والمستقبل الموعود، لمن أنعم الله عليهم وفضلهم على كثير ممن خلق، فبوأهم المراتب العلا، وجعل طاعتهم من طاعته بصريح النص، فتبقى ولايتهم للأمر سرمدية دون منازع؟
أليس هو الغطاء الدافئ والمظل المنعش والمطرية الواقية لتأديب الدول والجماعات، وإخضاع الأديان والحضارات، والسيطرة على الأراضي والثروات، وقمع المقاومات والثورات... فيبقى الدين كله لبديع النظام العالمي الجديد، راعي العولمة(بعدما انتهى من رعي البقر)، الساهر على ضمان استمرار "الأمن والاستقرار" العالميين، رافعا شعلة الحرية في كف، وفي الأخرى سوط الديمقراطية لحمايتها، لأن الله، عز وجل، يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن؟!
أليس هو الحل السحري المتأقلم حسب الزمان والمكان والحاجة الذي ينقذ هذه الشركات "المتعددة" الجنسيات، شرايين العالم والضامن لاستمرار الحياة فوق هذا الكوكب(رغم الاحتباس الحراري واتساع ثقب الأزون وصعود مستوى مياه البحار) عندما تصاب(هذه الشركات) ببعض الفتور، فلا تجد خيرا منه(الإرهاب) لدعوة بني البشر لأخذ الحيطة والحذر وشراء ما جادت به قرائح مبدعي التكنولوجيا الدفاعية الوقائية، بل والهجومية الاستباقية، البرية منها والبحرية والجوية، بمختلف الأصناف والأحجام والأثمان، وتكديسها في المخازن قبل أن تنفذ من السوق، أو تنفذ أثمانها من الجيوب، استعدادا ليوم الزحف الأكبر، يومٌ تشخص فيه الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر.. وفي انتظار قدومه، فهي، على أي، تشارك في الاستعراضات الوطنية السنوية. وعلى كل حال يكون المشترون قد ساهموا في تحريك دواليب الاقتصاد العالمي. و... اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا..
إني كنت أعتب على قائدي هذه الحملة الكونية بتسطيح وتبسيط ساذج يستخف عقول الناس دون أدنى مجهود في التعريف أو التأطير أو التحديد، حتى إنك لا تكاد تميز بين الطارِد والمطارَد، فالتبست علينا المفاهيم، واختلطت الأمور، وتقطعت بنا السبل والأسباب.. غير أن الذي غاظني هو كيفية تعاطي بني جلدتنا والمحسوبين علينا، ممن يجمعنا بهم -رغم أنفنا وأنفهم- التاريخ أو الجغرافيا أو الدين أو العرق أو كل ذلك مجتمع!!. فهم قد تقلدوا أسلحتهم، وشحذوا هممهم، وبَرَوا أقلامهم للانخراط في تلك الحملة المقدسة المباركة بمختلف مستوياتها، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث لا في الدال ولا في المدلول، تاركين اللفظ مرسلا مطلقا على عواهله ومعانيه لا تؤطره حدود، ولا يحده فضاء، مادام كبير القوم أمر بذلك. فهو أعلم وأدرى بحالنا ومآلنا.
أما المقاومون فلم أدر كيف وقعوا في هذا اللغط اللغوي والمطب المنطقي؟ هل نتج ذلك عن قصور، أم عن عدم اهتمام، أم عن عدم القدرة على مقاومة استعمال اللفظ؟
يا عالم! إن الإرهاب هو مصدر فعل أرهب يرهب فهو مرهب، أي أخاف. وهو بهذا المعنى عمل محايد لا يخيره أو يشره سوى صفته، أو سياقه، أو سبب وقوعه.
فالوالد يرهب ولده، من حيث المبدأ، من أجل تربيته، وتبقى الوسائل للنقاش. وكذلك يفعل الأستاذ ليجعل التلميذ يقوم بواجباته. ومثله تفعل الأمم سواء بين أبنائها لحماية بعضهم من بعض، أو بينها وبين باقي الأمم لحماية نفسها. بل إن الله، عز وجل، في خطابه القرآني الكريم كثيرا ما ذكر الترهيب والإرهاب بأهوال القبر والبعث والنشور... وهذه كلها أفعال محمودة وضرورية للاستقامة.
إن الإرهاب شأنه في المحايدة شأن القوة والشدة: لا يشينهما ويخرجهما من إطار الخيرية إلا الجور والاعتداء في استعمالهما، أما سنة الحياة البشرية فمبنية على مبدأي المكافئة والجزاء بنوعيهما السلبي والإيجابي، الترغيب والترهيب، التبشير والتحذير، التعزيز والتنكيل... فلماذا كل هذا التبرؤ والتنكر والتبرم من المصطلح المسكين، والتوجس والرعب والفزع من الوصف أو الاتصاف به رغم براءته وحياديته مبدئيا، وكأنه كائن مجروب؟
إن التسليم بالتحريم المطلق لممارسة الإرهاب دون تحديد مجال لذلك التحريم يقتضي حل كل الأجهزة الأمنية والنظامية، وهدم كل مؤسسات الإصلاح والتهذيب والتربية، لأن مجالها ورجالاتها لا يسهرون إلا على إرهاب المجرمين، وزجر الظالمين، وردع المعتدين وكفهم عن التفكير في اقتراف هكذا أفعال بفعل الإرهاب من المصير المحتوم.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما. آمين.