قرأت في موقع الزميل علي أنوزلا حوارا منسوبا للناشطة الانفصالية أميناتو حيدر، هو عبارة عن كلام لها قالته لوكالة أنباء موسكو تحدثت فيه عن “الشعب المغربي الشقيق”، وعن ضرورة وصول “الديمقراطية إلى المغرب من أجل أن نفهم نحن كشعب مغربي شقيق المعاناة التي يحس بها الشعب الصحراوي”، حسب تعبير أميناتو.
عادة لا تثير تصريحات أميناتو أي استغراب، خصوصا أنها أقل من العدم في مسألة الصحراء هاته، ولولا الفصل “البايخ” الذي تعرضت له يوما وهي تمنع من دخول العيون لما عرفها أحد، وهو الفصل الذي منحها كل الشهرة التي أصبحت لها الآن وهو يدخل في عداد الأخطاء التي وقعت في الماضي والسلام.
هذه المرة قرأت بإمعان كلام أميناتو خصوصا أنه يأتي بعد أن قرأت في موقع وكالة الأنباء الصحراوية التابعة لجبهة البوليساريو افتاحية الزميلين أنوزلا وبوبكر الجامعي والتي أسمياها “الصحراء كلفة السلطوية” والتي لا أعرف كيف كتباها معا، وهل اتفقا على تقسيمها إلى مقاطع بعضها بالعربية التي يتقنها أنوزلا والبعض الثاني بالفرنسية أو الإسبانية اللتان يتحدثهما الجامعي بطلاقة ويكتب بهما على الأقل عندما كان يكتب في المجلات التي مر منها أو مرت منه والأمر سيان.
عندما رأيت حوار أميناتو في موقع لكم ورأيت افتتاحية أنوزلا والجامعي في موقع أنباء البوليساريو فهمت أن الأمر جلل، رغم أن فهمي بسيط للغاية، ووجدتني مضطرا لقراءة ما كتب هنا وهناك من أجل معرفة الدرجة التي دفعت الموقعين معا إلى “التنسيق” بينهما من أجل النشر المشترك للمعرفة علما أن “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها يأخذها”، مثلما علمنا المأثور منذ القديم، ما يعني ألا بأس أن نقرأ لهذا هنا وللآخر هناك وهكذا دواليك.
المقالان معا عسيرا الهضم والفهم، وهما يرشحان بالرسائل غير الودية كثيرا تجاه البلد وتجاه وحدته الترابية أكثر من رشحهما بشيء آخر.
باختصار، أميناتو مغتاظة لأن المغرب استطاع بفضل تحركات ملكه وحكومته وشعبه أن يحقق انتصارا تاريخيا في مجلس الأمن، لذلك قالت إن “خيار الحرب أصبح مطروحا أكثر من أي وقت مضى”، مع أنها تعلم أن حربا في المنطقة هي آخر شيء يمكن أن يسمح به العالم اليوم وهو الحائر مع القاعدة وغلمانها الموزعين -بفضل نزق الجزائر- جنوب الصحراء. أما علي وبوبكر فيقولان ما معناه أنه كان من الممكن الاستفادة من خبرتهما الديبلوماسية هما معا من أجل تدبير أفضل لملف الصحراء، مع أن هذا الانطباع الذي قد يخرج به قارئ المقال -مثل حالتنا- قد يكون بسبب بوبكر أكثر منه بسبب علي لأن الجميع يعرف أن لإبن الجامعي وحفيد الجامعي طموحات أكبر من الصحافة لم تتيسر السبل للوصول إليها في يوم من الأيام.
ومع ذلك هناك شيء ما مزعج في القضية نتمنى أن تتسع “القشابة” لمناقشته، هو هذا التنسيق الذي لا تخطئه العين بين ديمقراطيين يؤمنان بالديمقراطية ويطالبان بتطبيقها في المغرب وبالحد من السلطوية ومن التجارة بالسياسة والسياسة بالتجارة إلى آخر ما يقوله الزميلان باستمرار في مكتوباتهما، وبين جبهة هي أبعد الجهات في العالم بأسره عن الديمقراطية.
بمعنى آخر نحن مستعدون لمساندة هذا التنسيق مع “البراني” شرط أن يكون مع دولة ديمقراطية، أو مع بلد متحضر قادر على منحنا دروسا في التدبير المدني لشؤون بلادنا، إذ ما أحوجنا للأمر فعلا.
لكن أن يكون التنسيق من أجل التطبيل لدولة عبد العزيز المشتتة في الأرض والقائمة أساسا على دعم جنرالات الجزائر الحائرين في مصير بوتفليقة وما سيفعلونه به بعد انتهاء صلاحيته ففي الأمر بعض الشك، وكثير من الريب، وغير قليل من الحيرة وعدم الاطمئنان.
في النهاية يقول المرء لنفسه إن الزميلين معا ولأنهما يريدان محاربة السلطوية في المغرب اهتديا إلى أن نشر افتتاحيتهما المشتركة، ثم نشر حوار أميناتو حيدر مع الروسيين من شأنه أن يقلل من هاته السلطوية، وسيفتح أعين المسؤولين عن تدبير ملف الصحراء على كل الأخطاء التي وقعوا فيها وسيجعل بلدنا قادرا على النظر إلى الملف ككل من زاوية نظر أخرى.
وجهة نظر تحترم خصوصا إذا ربطها الإنسان بكل ما يقوله الجامعي الأب هاته الأيام عن البلاد وعن أخطاء البلاد إلى الحد الذي يدفع المرء مجددا إلى التساؤل _لاحظ أن حيرة المتاهة هنا لا تنتهي- هل هي مسألة عائلية؟ أم تراه الطموح غير المتناسق إذ يقتل صاحبه؟ أم تراها حلاوة التذوق الأولى إذ تذهب، فتترك وراءها المرارة والشعور بالندم فقط؟
لا جواب إطلاقا، اللهم الأمل أن يظل البلد في منأى عن ديمقراطية عبد العزيز والبوليساريو، فقد علمنا من مروا يوما من تندوف -صحافيين كانوا أم مجرد مبعوثين- أن هاته الرقعة من الأرض لا زالت تستعبد الناس ولازالت تعتبر الرق من علامات التقدم الاجتماعي.
وشوف شنو باغيين لينا هاد الخوت الله يهديهم، وللكلام صلة وصلة إلى أن تنتهي كل الأيام.