تعيش المملكة المغربية على وقع ارتدادات نوعية جراء مشروع القرار الأمريكي ، الذي نص على توسيع
1صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية ، مما أفضى إلى وضع سياسي حافل بمواقف غير مألوفة في التعاطي مع هكذا موضوع بالغ الحيوية و الخطورة . و لعل ثقل الصدمة التي استشعرها المغاربة قاطبة إزاء هذا الموضوع يعود إلى عدة عوامل ، ليس أقلها أن المشروع – الزلزال صدر عن الولايات المتحدة الأمريكية الحليف التقليدي للمملكة ، و بإيعاز من أطراف تشتغل في مجال حقوق الإنسان و المطالب الانفصالية ، و خاصة مؤسسة روبرت كينيدي لحقوق الإنسان ، التي أبانت و في أكثر من مناسبة أنها تشتغل وفق أجندات مخصوصة تروم تجريم المغرب دون قيد أو شرط . و على إثر تحركات ديبلوماسية مغربية فائقة السرعة ، و في الوقت بدل الضائع سحبت أمريكا مشروعها ليستمر الوضع " على ما هو عليه " .
2 بيد أن ما أثار انتباه المراقبين المحايدين الوطنيين و الدوليين ، هو الحالة الهستيرية التي استبدت ببعض المسؤولين السياسيين الجزائريين ، الذين عبروا و بلغة بعيدة عن اللياقة و انتهاج " الحياد " ، عن حزنهم الشديد لعدم استكمال فرحتهم بإيذاء " جارهم الشقيق " ، لا بل هدد أحدهم أن هذا اليوم سيكون له ما بعده ! مما حدا ببعض المتتبعين للموضوع إلى القول إن الجزائر كانت على أتم اليقين بمصادقة مجلس الأمن على هذا القرار ، الذي يمس بسيادة المغرب على وحدته الترابية ، و في الآن عينه كانت جهات انفصالية قد عقدت العزم و بمساعدة لوجستيكية و مادية أجنبية ، على المضي قدما نحو التصعيد عبر " إشعال الحرائق " : تدمير ممتلكات المواطنين و العبث بالمؤسسات و استفزاز رجال الأمن .. و استدراجهم لارتكاب أخطاب تحسب على أنها انتهاكات لحقوق الإنسان
3 و في المقابل انقسم الإعلاميون و المهتمون المغاربة إلى أطياف ، و هم يستقرئون هذا المستجد في الساحة السياسية الوطنية ، منهم من تسلح بأسطوانة الخطاب الرسمي التقليدي و اقتصر على انتهاج أسلوب النعامة ، دون بذل أي جهد لفهم الرسائل المشفرة للمنتظم الدولي ، و المهام التي يجب القيام بها لحلحلة الموضوع ، خاصة و أن مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل لقضية الصحراء لم يحظ بقبول الآخر ( بوايساريو ) ، كما أنه لم يعرف أي تنزيل جزئي أو نوعي على أرض الواقع . و منهم من اعتبر أن اللحظات الحرجة التي تمر منها قضية الصحراء هي نتيجة لسلوك سياسي غير سليم ، و غياب الحكم الرشيد في ربوع المملكة و أخطاء جسيمة ، و فرص ضائعة كان من الممكن أن تكون أدوات مساعدة لوضع حد نهائي لهذا المشكل الذي عمر طويلا .
4 و في رأينا المتواضع فإن المغرب وعلى الرغم من عناصر القوة التي يتوفر عليها في ملف الصحراء : الوجود على الأرض و التنمية الشاملة التي لم تعرف التوقف منذ المسيرة الخضراء ، و وحدة الشعب المغربي و تقدير المنتظم الدولي للإصلاحات السياسية و الدستورية التي شهدتها المملكة ، في فضاء إقليمي عقيم و مضطرب .. فإنه مطالب بأن ينجح في حل معادلة رياضية بالغة التعقيد ، و ذلك عبر إعادة النظر في السياسة المتبعة في الصحراء و غيرها من جهات المملكة ، و انتهاج مقاربة ديمقراطية بحصر المعنى ؛ تتمثل في احترام المواثيق الدولية و سيادة القانون ، و القطع مع سياسة الريع العام في كل جهات الوطن دون تمييز أو إقصاء . فضلا عن صمود سلطة الأمن أمام اندفاع بعض الانفصاليين المدعومين بقوة جهنمية من قبل جهات أجنبية معلومة ، و تقليل بعض الإعلاميين المغاربة من سياسة جلد الذات . صحيح لم ينجز المغرب بعد انتقالا ديمقراطيا جذريا ، يستلهم فيه الأعراف و القيم و المواثيق المتعارف عليها كونيا ، لكنه اتخذ خطوات إصلاحية غير مسبوقة في عالمنا العربي الجريح . إن الصحراء المغربية موضوعا بالغ الحيوية على المستوى الاستراتيجي ، و الأمن الدولي و الاستقرار الإقليمي ، و لن يكون الحل سوى : ( أقل من الانفصال أكثر من الحكم الذاتي ) ! !
الصادق بنعلال – كاتب من المغرب.