|
|
|
|
|
أضيف في 02 ماي 2013 الساعة 29 : 08
من يقرأ الموضوع ، الذي تناوب على كتابته كل من علي أنوزلا وأبو بكر الجامعي، ستعود به الذاكرة إلى سنوات الستينيات والسبعينيات التي كان فيها المغرب يصارع على أكثر من جبهة من أجل الانعتاق وتثبيت الذات وتمهيد الطريق نحو البناء الديموقراطي ، لكن عوامل داخلية وأخرى خارجية فرضت تغيير المسار، بمعنى آخر فرضت على المغرب بذل كثير من الجهد والكثير من الوقت في مواجهة خصومه الكثر.
وربما لا يعرف أنوزلا والجامعي أن المغرب مر،خلال الفترة المذكورة، بوضع أصعب من الوضع الحالي : كان عليه فيه مواجهة اسبانيا الفرنكوية بمطالبه الدائمة باسترجاع الثغور المحتلة في الشمال والأقاليم المستعمرة في الصحراء ، بل حتى مطالبه باسترجاع المناطق المحتلة من طرف الجزائر (الصحراء الشرقية) أجلها إلى ما بعد استقلال الجزائر، ولما وقعت "حرب الرمال"، سيكتشف المغرب أن هناك خصما آخر(شقيقا) نزل بكل ثقله المادي والمعنوي والعسكري والإعلامي لمساندة ما يسمى بالثورة الجزائرية الفتية في وجه النظام الملكي. ولم يتأكد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر من حقيقة المقلب الذي تم إيقاعه فيه باسم الثورة ضد النظام الملكي المغربي، إلا بعد إلقاء القبض على عدد من الجنود والضباط المصريين في الحرب المذكورة ،وقرار الملك الراحل الحسن الثاني إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى بلدهم . ولعل وعي النظام المصري في تلك الفترة هو الذي سيجعله لا ينساق، من بعد، في الحملة المحمومة التي قادها الراحل القذافي ضد المغرب.
وليس جديدا القول أن النظام القذافي هو الذي كان وراء ظهور "البوليساريو" وإمدادهم بالعدة والعتاد ، ليس من أجل تحرير الصحراء كما يدعي البعض اليوم ، بل من أجل إسقاط النظام، وقد عشنا حتى شاهدنا نظام القذافي يسقط بينما لم تنل من النظام الملكي لا مؤامرات القذافي ولا عواصف الربيع العربي.
لماذا هذه المقدمة ؟
إنها ضرورية ليعرف أنوزلا وشقيقه من الرضاعة أبو بكر الجامعي، أن أسلوب وروح المقال الذي تناوبا على كتابته – بطريقة الاغتصاب - حول "كلفة السلطوية " (رغم أن العنوان تم وضعه فقط للإثارة)، لا يختلف في شيء عما كتبه وأذاعه وقاله (منذ سنوات كثيرة) بعض المعارضين المغاربة الذين باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان ،في الصحف والإذاعات والتجمعات في طرابلس والجزائر والقاهرة ودمشق؛ وظلوا يتنقلون ، بجوازات هذه الدول، من هذه العاصمة إلى تلك من أجل التبشير بالثورة في المغرب؛ مع الإشارة هنا إلى أن معارضي النظام المغربي في تلك الفترة كانوا "يهرسون الحجر" كما يقال. الغريب أن لا أحد يثير هنا كلفة التبعية ومخاطرها.
الآن، وبعد عقود من الزمن، يتحالف صحفيان من أجل كتابة موضوع إنشائي،أهم ما يميزه خروجه المتكرر على الموضوع ،إضافة إلى اعتماد أسلوب دغدغة عواطف الكثير من الجمهور الذي، للأسف الشديد، يجهل الكثير عن تاريخ وجغرافية بلده، بمن فيهم كاتبا الموضوع. ولذلك فإن فاقد الشيء لا يعطيه. وعادة ما نجد الجزء الكبير من الجمهور يرتاح وينساق مع من يسب أكثر، ويغالط أكثر، ويكذب أكثر، ويمثل أكثر. ولا غرابة إذا كان هذا النوع من الجمهور يوجد أيضا ضمن القراء المعجبين كانوا حقيقيين أو افتراضيين.
لقد استكثر الصحفيان أنوزلا والجامعي على المغرب رده الجريء على "حليفه الكبير" أمريكا بخصوص توسيع صلاحيات "المينورسو" لتشمل حقوق الإنسان في الصحراء . ماذا في الأمر إذا عبر المغاربة عن غضبهم من خذلان واشنطن – وهي حليفته – لهم ؟
إنها قراءة قاصرة للوضع الذي قدمتموه على أساس أنه حقيقة لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه . والدليل ما جاء في مقالكما من أن اختيار المغرب لتأكيد السيادة على الصحراء، وتحصين مغربية الصحراء، ورفض تدخل الأمم المتحدة.."كان سيقوده حتما للعزلة الدولية ليعيش في وضع شبيه بكوريا الشمالية." إنها بؤس المقارنة. أما بؤس التحليل فيتضح في حديثهما عن "الأخطاء التكتيكية " التي ارتكبها ،في نظرهما المغرب ، والتي تنحصر في طرد أمينتو حيدر، وتفكيك مخيم "إكديم إزيك"،ورفض المبعوث الأممي روس.. بمعنى أنه كان على المغرب أن لا يدافع عن تأكيد سيادته على الصحراء ،ولا يحصن بالتالي مغربيتها، ويقبل بكل تدخلات الأمم المتحدة ولو كانت خاطئة .. لكي يتجنب العزلة الدولية الشبيهة بالتي يوجد فيها نظام بيونغ يانغ؛ ثم كان عليه أن يستقبل أمينتو حيدر بالورود والسجاد الأحمر وهي تنزل من الطائرة .. منطق غريب هذا الذي استخلصه صحافيان ، بل يدل على جهل تام بالميكانيزمات التاريخية والجغرافية والجيوستراتيجية، إضافة إلى الحسابات السياسية التي تتحرك بسرعة تفوق تحرك رمال الصحراء.
إن القول بأن الشعارات الانفصالية لم تظهر إلا بعد بداية التسعينيات من القرن العشرين،قول مردود . ليقل لنا أنوزلا والجامعي : لماذا تم ، إذن ،خلق "البوليساريو " ؟ ولماذا سخر القذافي ومن بعده النظام الجزائري ، في وقت مبكر،كل إمكانيات وموارد الشعبين الليبي والجزائري لمد هذا الكائن بالحياة ؟
لا يجب أن نغالط أنفسنا ونكذب على الآخرين. لقد ظل مشروع الانفصال وخلق دولة في الصحراء يراود الخصوم منذ اليوم الأول . كما أن الوعود التي قدمها النظام الجزائري بإقامة "جمهورية فاضلة " ل"البوليساريو " في الصحراء ، والأحلام التي دغدغ بها نفس النظام مشاعر جيل أمينتو حيدر، ومحمد المتوكل، وعلي سالم التامك، ومن على شاكلتهم ،بأن يصبحوا قادة ومسؤولين في الجمهورية الموعودة،هي التي حالت دون استقطابهم إلى مشروع مغربي ديموقراطي، كون هذه الجماعة ومن معها رضعت حتى الثمالة حليب الانفصال قبل أن يتم فطامها في سن مبكرة. ومن شب على شيء شاب عليه. بل تقولا بعظمة لسانكما أن هناك من لا زال من الصحراويين " رهينة لفكر حقبة الحرب الباردة وتحت تأثير النظام الجزائري " وإلا، كيف يمكن إقناعك (أنت أنوزلا) وشقيقك من الرضاعة(الجامعي) بالمشروع الديموقراطي المغربي ، وأنتما لا تؤمنان لا بالمغرب ولا بديمقراطيته ولا بأي شيء فيه ؟
هنا يكمن مربط الفرس : إن توجه واختيار المغرب للبناء الديموقراطي هو بالضبط الذي أثار حمية خصوم المغرب ليقوموا بحملة مدروسة وممنهجة لشحن بعض الشباب الصحراوي بإمكانية تحقيق حلم "جمهوريتهم " على الرمال .
ومن المعلوم أن النظام الجزائري –وهذا شيء معروف – لا يقبل أبدا أن يجد نفسه محاصرا بدول حدث فيها تغيير وتمضي قدما في الإصلاحات(تونس وليبيا ومصر في الشرق والمغرب في الغرب) مما يجعل هذا النظام يرفع وتيرة الابتزاز تجاه المغرب باستخدام "البوليساريو" لافتعال الاضطرابات . وما نشاهده اليوم والأمس في بعض الأماكن بالصحراء دليل واضح على الإخفاق الكبير الذي حصده خصوم المغرب بعد تصويت مجلس الأمن الدولي على تمديد وجود قوات "المينورسو" في الصحراء وعدم توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان ، وهي "المعركة " التي خاضها النظام الحاكم في الجزائر ،وبذل من أجلها كل ما يملكه من وسائل وأدوات؛ بل كان يعد لاحتفالات غير مسبوقة بنصر اشتراه من سماسرة دوليين بملايين الدولارات.
وما الهيستيريا المحمومة التي أصابت النظام المذكور وصنيعته "البوليساريو" سوى من ردود الأفعال على ما تم في مجلس الأمن بالأمم المتحدة.
أنتما تعرفان،ربما أكثر من غيركما، أنه لا مجال للمقارنة بين المغرب والجزائر في مجال حقوق الإنسان ؛ وأن النظام في الجزائر الذي يتشدق بضرورة احترامها في الصحراء ، لا يتحمل سماعها ،فبالأحرى أن يسمح بها في منطقة القبائل أو منطقة الطوارق . وما الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي تقترفها قوات النظام ، كل يوم، في مختلف المدن والمناطق الجزائرية إلا دليل على ما نقول . وما اعتقال الناشط خالد الزيراري ، نائب رئيس الكونغريس العالمي الأمازيغي ، فقط لتأييده تمتيع منطقة القبائل بحكم ذاتي ،إلا دليل من بين عشرات بل مئات الأدلة التي تدين هذا النظام.
إن ترهيب المغرب ب"حرب استنزاف" يوحي بشيء واحد هو أنكما تؤكدان مرة أخرى تبعيتكما العمياء لكل ما يأتي من وراء الحدود من تعليمات إلى جانب حبوب "القرقوبي" والمهلوسات الأخرى . وما دام أن المغاربة مؤمنون بدولتهم القوية الموحدة وبقضيتهم الوطنية العادلة، فهم قادرون على مواجهة هذه الحرب إذا فرضت عليهم. وعلى من اختار أن يكون خصما للمغرب أن يظل في غيه إلى يوم البعث.
" ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون." صدق الله العظيم.
حمادي الغازي.
|
|
2583 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|