مع اندلاع شرارة الانتفاضات الشعبية في عدد من الدول العربية، يصر الجزء المتفائل من المتتبعين للشأن السياسي المغربي على تقديم المغرب كاستثناء من هذا الحراك العربي ، بينما يؤكد البعض من هؤلاء المتتبعين أن صيرورة الحراك ستصل إلى الرباط وأن لا مجال للاستثناء .
إلا أن وصلات إخبارية حول مستقبل الدول العربية في ظل هذه الانتفاضات الشعبية يؤكد اليوم أن المغرب شكل ولازال استثناء، ذلك أن الوصلة الإخبارية تظهر خريطة العالم العربي والحرائق تشتعل من مواقع عدة دول عربية قبل أن تقف عند موقع المغرب لتنبعث من موقعه أشعة مشرقة تبشر بغد أفضل ، وكأن مخرج هذا البرنامج يريد أن يوضح للآخرين أن المغرب يشكل فعلا استثناء، وأضحى مثالا لباقي الدول العربية لكي تقتدي به.
إن المسار الذي اتخذه المغرب بالإصغاء إلى نبض التظاهرات الشبابية ،ووضع دستور جديد يستجيب لآمال أجيال القرن الواحد والعشرين ، جعل المغرب بكل مؤسساته الدستورية والسياسية محل مراقبة وتتبع من قبل الدول العربية ، سواء التي عاشت انتفاضات أدت إلى تغيير في القيادات أو تلك التي تعيش صراعات مسلحة يجهل مآلها ، فهي تسعى إلى الاستئناس بالخيار الذي مكن المغرب من تدبير الحراك السياسي والاجتماعي بحزم ومسؤولية دون السقوط في هاوية الفوضى وعدم الاستقرار مما جعله استثناء بكل ما في الكلمة من معنى.
لقد أصبح المغاربة بكل توجهاتهم السياسية الآن أمام رهان صعب يجب كسبه مهما كان الثمن، ألا وهو الخيار الديمقراطي المنسجم مع الهوية المغربية ، وهذا لن يتأتي إلا بالعمل الجماعي والجاد ، وأول خطوة على هذا المسار هي تنزيل الدستور الجديد و السعي إلى الالتزام بما تضمنه من نصوص، والحرص على تفعيلها من قبل من ستمنحهم صناديق الاقتراع في الاستحقاقات التشريعية المقبلة مسؤولية تدبير الشأن العام من خلال السلطتين التنفيذية والتشريعية فهذه مسؤوليتهم وسيحاسبون عليها من طرف من منحوهم أصواتهم .
إن الوضع لا يقبل التأخير أو الانتظار ، لأن التطورات التي تعيشها المنطقة العربية بالخصوص تفرض الإسراع بتنزيل الإصلاحات الدستورية والسياسية التي تؤسس لمغرب المؤسسات والحكامة الجيد والمسؤولية المقرونة بالمحاسبة ، كما أن دور الأحزاب السياسية لم يعد يقتصر على فترة الحملات الانتخابية بل أصبحت في ظل الدستور الجديد فاعلا أساسيا في الحياة السياسية ومسؤولة عن إعداد الأجيال الشابة للتداول على تدبير الشأن العام المحلي والوطني لقطع دابر التطرف كيفما كان لونه السياسي وتجفيف منابع الإرهاب .
وهكذا، فقط، يمكن أن نحصن الاستثناء المغربي .