لم تكن الديبلوماسية في يوم من الأيام مهمة خاصة لوزير الخارجية والسفراء، فالديبلوماسية ومنذ فجر العلاقات بين الدول هي عملية معقدة ومتداخلة، وهي في معناها العام الحديث عن مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الديبلوماسين، بهدف خدمة المصالح العليا (الأمنية والاقتصادية) والسياسات العامة وللتوفيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل وإجراء المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية وتعتبر الديبلوماسية أداة رئيسية من أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية التأثير على الدول والجماعات الخارجية بهدف استمالتها وكسب تأييدها بوسائل شتى. وبالإضافة إلى توصيل المعلومات للحكومات والتفاوض معها تعنى الديبلوماسية بتعزيز العلاقات بين الدول وتطويرها في المجالات المختلفة وبالدفاع عن مصالح وأشخاص رعاياها في الخارج وتمثيل الحكومات في المناسبات والأحداث إضافة إلى جمع المعلومات عن أحوال الدول والجماعات الخارجية وتقييم مواقف الحكومات والجماعات إزاء قضايا راهنة أو ردود أفعال محتملة إزاء سياسات أو مواقف مستقبلية. بالجملة فالديبلوماسية هي تداخل مجموعة من العناصر فيها ما هو ثقافي واجتماعي وما هو اقتصادي وما هو عسكري وأمني، ونجاح دولة ما في خلق نسيج من العلاقات هو رهين بقوة ونجاعة هذه المؤثرات ورهين كذلك بمدى تفاعل كل هذه المكونات في بلورة ديبلوماسية فاعلة تكون وقائية لحماية مكتسبات البلد أو تكون هجومية لإيقاف عدوان أو لتحقيق مكاسب سياسية. فالديبلوماسية المغربية ورغم أنها عرفت وزراء خارجية من العيار الثقيل وعرفت أطرا ديبلوماسية مكونة تكوينا دوليا إلا أنها كانت دائما تعي جيدا أن كبير الديبلوماسيين هو جلالة رئيس الدولة الذي يمنحه الدستور صفات هي إمارة المؤمنين والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ورئيس مجلس الوزراء. وخلال الأسابيع الأخيرة مرت الديبلوماسية المغربية من امتحان عسير خصوصا مع مسودة القرار الأمريكي الذي كان يسعى إلى توسيع صلاحيات المينورسو في اتجاه إزالة السيادة المغربية بغير المباشر، ومنح جنود من المينورسو إمكانية مراقبة حقوق الإنسان في أقاليمنا الجنوبية رغم أن هؤلاء أكدوا بالدليل القاطع أنهم غير حياديين (يمكن الرجوع إلى الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع يبين جنودا من المينورسو يحرضون الصحراويين). إن جلالة الملك بثقله السياسي الدولي ورمزيته الوطنية وحمولته كرئيس دولة تحمل وراءها دورا تاريخيا طويلا وتعد في التاريخ الأمريكي أول دولة اعترفت بهذا الكيان الجديد، نزل بكامل ثقله في الموضوع لدى الإدارة الأمريكية لتغيير وسحب مسودة القرار الأمريكي. إن الدرس المستفاد من هذه الرجة هو أن الديبلوماسية ليست لعبة حسابات صغيرة ولكنها عملية معقدة تتداخل فيها عناصر كثيرة من أجل بنائها.