هل كان من الضروري انتظار الاقتراح الأمريكي حول توسيع صلاحيات " المينورسو " بالصحراء ، لنكتشف وجود من يطلق عليهم ب" الطابور الخامس" بيننا ؟ وهل كان من المحتم أن تحدث كل هذه الزوبعة في فنجان الأمم المتحدة ، لنعرف أن هناك أناسا يعيشون بيننا ، يشتركون معنا في الملح والطعام ، ويطعنوننا من الخلف ؟
لا شك أن مثل هذه الأسئلة وغيرها طرحها المغاربة أكثر من مرة كلما طالعهم كائن من هذه الكائنات بكتاباتهم التي تقطر حقدا وسما في حق وطنهم، وضد قضاياه الكبرى التي من المفروض أن يتجند حولها كل أبناء الشعب بغض النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم ومذاهبهم ، لا أن يتم خلط شعبان برمضان ونقول ما أنزل الله بهذا من سلطان.
والغريب أن هذا النوع من الكائنات لا تقف عند هذا الحد ، بل لا تتردد في التعبيرعن تشفيها لأي طارئ يقع في المغرب ولو كان فيضانات أو زلزالا أو حريقا أو جفافا أو انتحارا أو نفوق حيوان أو حتى حادثة سير... وتبخيس أي جهد أو مبادرة ، وكل شيء يتم استغلاله أسوأ استغلال وإلصاقه مباشرة بالنظام.
اليوم، تتأكد للمغاربة تلك الحقيقة المرة التي حاولوا التغاضي عنها، والتي تتمثل في أن بعض الأشخاص "بوليساريون" أكثر من " البوليساريو " ، بل إنهم ناطقون فوق العادة للطغمة المتحكمة في مصير المحتجزين الصحراويين المغاربة وحكام الجزائر على السواء.
لقد كانت لحميد شباط ، الأمين العام لحزب الاستقلال، من الشجاعة ليعلن أمام لقاء لأعضاء الشبيبة المدرسية ، التابعة للحزب، بمدينة مراكش، أن المدعوين علي أنوزلا وأبو بكر الجامعي مجرد خونة ، وأن الحزب مستعد للتصدي لهما ولأمثالهما . ونفس الموقف يعيده القائد الاستقلالي بعد يوم واحد في نفس المدينة بمناسبة لقاء لمنظمة المرأة الاستقلالية.
إنها المرة الأولى التي يتم فيها،علنا، التعرض لهذين الشخصين بالاسم واتهامهما بالخيانة بعد أن بلغ السيل الزبى ، علما أن مجموع الهيآت السياسية والحزبية والنقابية والفعاليات الإعلامية والحقوقية لطالما عبرت، في لقاءاتها الخاصة ، عن تذمرها من الطعن الممنهج والمتعمد الذي يمارسه هذان الشخصان ضد كل ما هو مغربي ، في أكثر محطة، بطريقة وبأسلوب بعيد كل البعد عن إبداء الرأي حرية التعبير، ولا يخلو من سوء نية وترصد وسبق إصرار.
ومن شأن موقف حزب الاستقلال الواضح أن يضع حدا للصمت المطبق إزاء مثل هذه الممارسات التي ظل السياسيون والنقابيون والإعلاميون والحقوقيون يفضلون، لحد الآن، التغاضي والتعالي عنها، على أساس أن المغرب ليس لديه الوقت ليضيعه أمام مثل هذه التصرفات ، وأنه منهمك في معركة الديموقراطية والتنمية التي تتطلب المزيد من الجهد والتعبئة. كما أن من شأن الموقف الاستقلالي أن يحوز حوله تعاطفا أو التفافا لفضح ومواجهة الذين وضعوا أنفسهم لخدمة أجندات خارجية معروفة ، مستغلين هامش الحرية والديموقراطية ليجعلوا من مواقعهم أبواق ناطقة باسم خصوم المغرب ووحدته الترابية الذين يسخرون الأموال الطائلة فقط من أجل عرقلة مسيرته التنموية ومساره الديموقراطي. وهو ما يتم اعتباره من باب الخيانة العظمى في البلدان العريقة في الديموقراطية .
وفي الحقيقة ، فإن الشخصين المذكورين اختارا السير خارج الإجماع الوطني فيما يتعلق بقضية الصحراء ،وهو موقف طالما اعتبر في المغرب شيئا عاديا مادام التعبيرعنه ينطلق من قناعات ذاتية في إطار ما تعرفه المملكة من أجواء تلتقي فيها مختلف الأطياف والحساسيات ، من اليمين المتطرف إلى أقصى اليسار، مرورا بالمعتدلين ، والوسطيين ، والاشتراكيين، والإسلاميين، والعلمانيين .. وهو ما لا توجد رائحته أو شيء منه في دول المنطقة. وما قيام سلطات الجزائر- ونحن نكتب هذه السطور - باعتقال وترحيل خالد الزيراري ، نائب رئيس الكونغريس العالمي الأمازيغي بمدينة تيزي وزو ، وكذا عدد من المتظاهرين في مدن البويرة وبجاية والجزائر العاصمة وغيرها، فقط لأنهم طالبوا بتمتيع منطقة القبائل بنظام الحكم الذاتي ، خير دليل على الفرق الشاسع بين المغرب ومن اختاروا أن يكونوا خصومه، وهو فرق يتعمد أنوزلا والجامعي عدم الالتفات إليه أو الاهتمام به، لأنه من جهة يحرجهما ، ومن جهة ثانية يفضح تبعيتهما للمتحكمين في تندوف والحاكمين في الجزائر.
إذن، حزب الاستقلال يفتح باب مواجهة الخارجين عن الإجماع، وفي نفس الوقت يفضح مؤامرة الصمت التي يختفي وراءها كل من في نفسه مرض إزاء مصالح وقضايا الوطن والمواطن. ولا شك أن موقفه سيفتح نقاشا آخر حول الموقف المشين لبعض الكائنات التي فضلت أن تمشي على بطنها – عوض أن تمشي على أربع - من كثرة الانبطاح.
حمادي التازي.