الأزمة الحالية بين المغرب وأمريكا أو بين المغرب والغرب بصفة عامة ليست بسبب مشكلة حقوق الإنسان بالصحراء المغربية ولا حتى بسبب التقارب الجزائري الأمريكي الحديث العهد. كنا حتما سنصل يوما إلى هذه الحالة من الملل التي تصيب الصداقة في بعض الأحيان وتحتاج حينها إلى خصام وعتاب وإلى قطيعة لا قدر الله بين الأصدقاء. قد يبدو أن هذا هو تشخيصي للحالة الراهنة إلا أنه لا يعدو أن يكون تحليلا سطحيا لمجريات الأمور وتعاميا إراديا عن حقيقة الغرب وأمريكا صناع الاستراتيجيات التي لا تترك للصدفة مجالا ... ! ! ! لقد خططوا لكل شيء وتوقعوا كل شيء إلا أن يروا قوة ناعمة في شمال إفريقيا صمدت في وجه كل الثورات وأطاحت بكل المحاولات الانقلابية والمؤامرات. لم ينل من هذه القوة لا جفاف ولا سنوات عجاف ولا ميوع ولا دعوات للتطرف. لقد استطاع المغرب تحويل عقدة المستعمر إلى شراكة مع مستثمر وأصبح حليفا لحلف شمال الأطلسي وقوة لحفظ السلام العالمي ووسيطا ذا مصداقية في نزع فتيل النزاعات الدولية والحروب الأهلية في أوربا والشرق الأوسط وإفريقيا. كان طموحنا التنمية وحلمنا الازدهار لم نطمع يوما ما في شيء ليس لنا وظلت أيادينا ممدودة لتعانق جيراننا. إن هذه القوة الناعمة بدأت تزعج الغرب المتعجرف والمغرور الذي لم يستسغ بروز بلدان مزدهرة خصوصا العربية منها والإسلامية. وعندما نقول بروز قوة ناعمة فإننا لا نبالغ، ولا نهذي ولا حتى نحلم "أحلام جانو"، وعلى من يستكثر على بلدنا هذا اللقب أن يقوم ولو بجولة بسيطة في مدنه ويزور مطاراته ويركب قطاراته ويجول في طرقه السيارةالتي خلقت الفرق في ظرف وجيز بينه وبين بلدان شمال إفريقيا. وحتى لايفسر تحليلي أيضا بأنه عقدة من عقد الاضطهاد سأحاول أن أستشهد بدول عانت ما عانته مع الحلفاء وسأكتفي بثلاث دول لكل واحدة منها مآل مختلف عن الأخرى جراء هذا "الانقلاب العاطفي" من طرف "العم سام". الدولة الأولى هي العراق، أرض الحضارة وأرض الزراعة والبترول، حليف أمريكا الأول ضد دولة إيران الإسلامية، استفادت من فترة الحرب لتطوير ترسانتها العسكرية وعمرت أرض دجلة والفرات وأصبحت قبلة للعمالة الأجنبية. مجد ما بعده مجد. وتنساق العراق بعد ذلك إلى نفق مظلم يصل بها في آخر المطاف إلى الاحتلال الأمريكي الغاشم وما تلاه من تنكيل بالإنسان العراقي والشعب العراقي والوطن الذي تحول إلى دويلات وسط دولة متطاحنة. وبعد العراق تأتي أندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان والتي اعتبرت في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات نمرا من االنمور الآسيوية، فكان مصيرها أن استئصلت تيمور الشرقية من رحمها رغم حضورها الوازن والمتميز والحضاري في حفظ الأمن والسلم الدوليين وسماحة سكانها. أما المثال الثالث فهو النموذج التركي فالكل يجمع على أن هذه الدولة عانت كثيرا عندما أحس الغرب بقرب علو كعبها فحاولوا كبحها عبر رفض الاتحاد الأوروبي انضمامها إلى حضيرته بل ومحاولة زعزعة استقرارها بدعم حزب العمال الكردستاني وكالعادة كانت أنشودة حقوق الإنسان المصطنعة تدوي فلا يسمعها إلا منشدوها، ولعل النموذج التركي هذا هو الأجدر بالاهتمام لأن هذه الدولة استطاعت، رغم المضايقات، تبوأ إحدى المراتب العشر الأولى في سلم التقدم وحافظت بحزم على سلامة ووحدة أراضيها. فمن ذا الذي سيجرأ الآن على فرملة امبراطورية الأناضول؟ أنا شخصيا أغبطكم أيها الأتراك الأقوياء، وأكاد أجزم أن نموذجنا يشبه إلى حد كبير نموذجكم إذ ببروز أولى بشارات الإقلاع المغربي أصبحنا نزعج الغير ... فهل نحن أذنبنا؟ بالتأكيد لا! لأننا كإسبانيا السبعينيات، كانت لنا كل مقومات الإقلاع للإرث الحضاري والتاريخي الذي يتميز بها بلدنا عن غيره من بلدان إفريقيا. نحن من البلدان القلائل الذي تخف فيه، إلى حد كبير، النعرات القبلية وتنعدم التوثرات الطائفية بين مسلمي المغرب ويهوده وكل هذا يزيد في لحمة الشعب ووحدة الوطن. نحن بلد مسالم ومنفتح على العالم، إلا أننا مع ذلك أصبحنا مصدر قلق وانزعاج جلب علينا مناورات الخصوم من دول ومنظمات دولية. تحالف الجميع على أن يضعونا في آخر مراتب التنمية البشرية مع الصومال ودجيبوتي وساومونا على ترواثنا البرية والبحرية وهددونا بفزاعة حقوق الإنسان وقطع المعونات الاقتصادية إن نحن لم نردخ لنزواتهم الشاذة. ووشح الانفصاليون والخونة والعملاء وأصبحوا أبطالا رغم علمهم المسبق بسخافة تمثيليتهم، لكنهم كذبوا الكذبة وصدقوها. دول أخرى سلكت طريق المداعبة والملاعبة، فلا هي مع المغرب ولاهي ضده وإنما بضع "كلمات ليست كالكلمات" ولعبة "خذ وهات" لكنها وجدت من يتقن هذه اللعبة أكثر منها، فنحن أبناء حلقة جامع الفنا وهوايتنا ترقيص القردة وترويض الأفاعي في قمة درجات الحر وأوج فترات البرد القارس. هنيئا لنا لقد أصبحنا اليوم ننافس على زعامة من نوع آخر، زعامة تستمد كينونتها من حب الشعوب الإفريقية ومن امتدادنا وإشعاعنا الروحي والديني في القارة السمراء. ولازالت القدس في وجداننا ولازال التزامنا الأخوي راسخا مع بلدان الخليج والشرق الأوسط وانتماؤنا الأورومتوسطي مصدرا من مصادر هذه القوة ومبعثا للتلاقح والتفاعل الإيجابي مع شعوب المنطقة. الاحترام والمصداقية كلمتان تنطبقان دوما على المملكة الشريفة وحتى وإن تفاداهما العدو في خطاباته الجوفاء، فليس بإمكانه إنكارهما. لقد نسي واضعوا تلك الاستراتيجيات الرنانة وجود خمسة ملايين مغربي مسلمين ويهودا في كل بقاع العالم قوتهم حاسمة وولائهم للوطن الأم مصدر آخر من مصادر الانزعاج والقلق لتأثيرهم الملموس في السياسة الداخلية والخارجية لبلد الاستقبال. لقد قيل في السابق "المغرب تلميذ نجيب" و"ولد مطيع" واليوم يقولون "من أين انبعث هذا المارد الأحمر الذي ما من طريق سلكه إلا ولونه بالأخضر؟؟؟" ونافلة القول أنه من بين النماذج الثلاث نبدو أقرب ما يكون إلى النموذج التركي. تركيا ذلك البلد الذي وقف عند حدود وجدة إجلالا لعظمة المغرب الشامخ، المغرب الذي لا يطأطأ رأسه إلا لله الواحد القهار بصدر منشرح، رغم الشدائد وبأبواب مفتوحة على الدوام. هكذا عهدناك يا مغرب يحرسك الله ويصد كيد الأعداء، وأربعون مليون مغربية ومغربي هم جنودك لا يفرطون في ذرة رمل من صحرائك العزيزة مهما كلفهم ذلك من ثمن. أقول لأصدقائنا الأمريكيين لا تقلقوا ولا تنزعجوا وناموا "على جنب الراحة" فنحن لا نبني سعادتنا وازدهارنا على تعاسة وفقر الآخرين. لم نندم ولن نندم على اليوم الذي كنا فيه أول بلد اعترف باستقلالكم ولن نعود لمغازلة ودكم واستجداء عطفكم سنختفي عن الأنظار ونكمل مسيرتنا في هدوء بنظام وانتظام إن كان هذا سيريحكم. أما لجيراننا الأفاضل فنقول لو كان بإمكاننا أن نرحل إلى القمر حتى تسعدوا وتهنؤا لرحلنا بجمالنا وخيامنا وصحرائنا تاركين مياه المحيط الأطلسي لتشربوها هنيئا مريئا.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها
1- hassoud
anozla jamii
عين الحسود فيها زرواطة.المشكل ليس فقط مع الخارج،وإنما مع أذنابه في الداخل،فهناك صحافيون ومواقع لا يهمها سوى جلد الوطن وسلخه،سواء لخدمة أجندة خارجية،أو حقدا وحسدا ولحسا للعملات الصعبة والسهلة.