أن يكتب كاتب عن ظاهرة التملص من العمل، والتقاعس عن أداء الواجب، الذي بات مرضا مستشريا ينخر جسم إداراتنا ومؤسساتنا، ويعوقها عن تحقيق أهدافها، والنهوض بوظائفها في خدمة المجتمع والدولة، وفي تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، فهذا شيء جيد، ينم عن حس مدني وغيرة وطنية، ويستحق عليه صاحبه كل تنويه واحترام وعرفان.
ولكن أن يتم تناول موضوع شاسع شائك معقد كهذا، له من المظاهر والأسباب ما له، من زاوية محددة وبطريقة انتقائية، وأن يتم اختزاله في "سبب" وهمي من أسبابه، هو "انشغال" الموظفين بالصلاة في أوقات العمل، فإن الأمر يتحول إلى حيلة مكشوفة لاستهداف الصلاة، وليس لترشيد العمل، ولنا على هذا الاختراع والإخراج العصيدي الرديء الملاحظات الآتية:
أولا: إن الحديث في مثل هذه المواضيع، يحتاج إلى بحوث ودراسات ميدانية، وإلى وصف لتشخيص الواقع، لمعرفة أشكال وأسباب ظاهرة التملص من العمل، وما إذا كان لأداء الصلاة دخل في ذلك، وليس إلى مقال صحفي وإنشاء أدبي، لا يستند إلا إلى مزاج كاتبه وهوى مدبجه.
ثانيا: نتفق مع الكاتب في أن اتخاذ الصلاة ذريعة للتملص من العمل، والتهرب من أداء الواجب، أمر لا يصح ولا يقبل إن وجد، ولكن الحل لا يكون بحذف الصلاة من البرنامج اليومي للموظف، باعتبارها حقا من حقوقه، وإنما يكون بضبط أدائها بالوقت، وتنظيمها بالتناوب بين الموظفين، وخاصة أن الأمر يتعلق بصلاتي الظهر والعصر لا غير.
ثالثا: أن أسباب ومظاهر التملص من أداء الواجب أكبر بكثير من موضوع الصلاة، إذا وجدت عقلية التملص وثقافة الهروب من العمل، إذ هناك من الموظفين من يغادر مكتبه أو مقر عمله لأجل التدخين، أو لشرب القهوة والشاي، أو لتجديد النشاط باحتساء كأس خمر، أو للجلوس في المقهى، أو لمشاهدة (البارصا والريال)، أو لقضاء أغراض ومصالح شخصية، أو لمجرد التملص والهروب. ومن الموظفين من يأخذ منهم المزاح والغيبة والقيل والقال من الجهد والتركيز أضعاف ما يأخذه العمل، ومنهم من لا يفارق مقعده ولا يخرج البتة من مكتبه لكنه لا يعمل شيئا ولا يقدم للمواطنين خدمة، ومنهم من يعمل في مكتبه لكن في قراءة الجرائد والإبحار في الأنترنيت، فلماذا تغافل الكاتب عن هذه النماذج، واختار الصلاة وحدها طريقة للتهرب والتملص من العمل؟ هذا الانتقاء غير الموضوعي وغير النزيه، يظهر أن لعين السخط دخلا في الموضوع، وأن للرجل مشكلة مع الصلاة، وأنه ليس حريصا على ترشيد العمل حرصه على الإساءة إلى الصلاة !!!
رابعا: أن الصلاة تدعو إلى التفاني في العمل، وأنها مدرسة الإخلاص والإتقان، التي تعلم المصلي كيف يؤدي حق الله تعالى في العبادة الخالصة في خشوع وانضباط، ونظام وانتظام، كما تعلمه أن من يتفانى في أداء حق الله تعالى، لا يناسبه التملص ولا يليق به التقصير في أداء حقوق العباد، اللهم إلا ذا كان من النوع المرائي، الذي لا يفقه للصلاة معنى ولا يرعى لها حرمة، وهو الصنف الذي ذمه الله تعالى وتوعده في سورة الماعون بقوله: ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون). وقد لا حظ رجل أعمال غربي أن مردود العمال المسلمين عنده يزداد في شهر رمضان، فكان يشجعهم على الصوم، ويتكفل لهم بوجبة الإفطار في مقر العمل.
خامسا: أن ما ذهب إليه كاتب المقال من ربط الصلاة ببيئة الجزيرة العربية، حيث لا دولة ولا إدارات ولا عمل، ليقول لنا بأن الصلاة لم تعد تصلح في زمان الدول والأعمال والمؤسسات، وأنها شأن خاص بالفرد ينبغي إخراجه من دائرة العمل، فنحب أن نذكره بأن الله تعالى الذي فرض الصلاة على المسلم خمس مرات في اليوم، يعلم سبحانه أنه سيأتي على الناس زمان ستكون لهم فيه أعمال منظمة وإدارات ومؤسسات، ومع ذلك فرضها عليهم، لعلمه سبحانه بما وراءها من المقاصد والحكم والأسرار، من سمو بالضمائر وترقيق للمشاعر وارتقاء بالأفكار، وما ضيعت أمانة العمل والإتقان، إلا عندما ضيعت أمانة الصلاة، ولا يتصور ممن ضيع حق الله في العبادة أن يؤدي حق العباد في الخدمة.
وختاما، فإن التاريخ يعيد نفسه، وإن ما ذهب إليه كاتب المقال من أن أداء الصلاة في أوقات العمل، يكون على حساب العمل وخدمة المواطنين، يذكرنا بدعوة الحبيب بورقيبة في العام 1961، حين شرب كأس حليب في نهار رمضان في التلفزة التونسية، ودعى التونسيين إلى الإفطار، لأن الصوم – في نظره الجاهل – يعرقل الإنتاج.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها
1- الحاج”ماحج”والدكتور “ثور” و المدير “دير”
Amazigh
قصة قصيرة مهداة إلى “حجاجنا الميامين” بمختلف الإدارات.
يوميا لا يلج مكتبه إلا بعد مرور ساعة أو أكثر على موعد انطلاق العمل.يدخل, ويشرع في الدوران حول نفسه مستعملا كرسيا متحركا,أو موظفا رجليه.
يجد أمامه طابورا من الزبناء,يتقدم إليه أحدهم,فينهره قائلا:
انتظر.
يجيبه الزبون في قرارة نفسه,لأنه يخشى من تهمة “إهانة الحاج أثناء دورانه على كرسيه الوثير”,يجيبه:
أما يكفي ما انتظرنا؟ساعة كاملة مرت على توقيت عملكم المعلق بباب وكالتكم و أنت ما زلت تسألني الانتظار؟
ينتظر الزبون و ينتظر و ينتظر,يتقدم إلى الحاج”ماحج”ثانية:
انتظر دقيقة فقط و أنا معك.
مرت الدقيقة و الدقيقتان,خمس,عشر,عشرون,وصاحبنا يفتح خزانة يسحب منها رزمة من الأوراق,يفتشها,غير عابيء بالزبون الذي مل من الانتظار أو مل منه الانتظار,يفتح خزانة أخرى يخرج منها حزمة من الوثائق و الملفات يقلبها بين يديه ثم يعيدها إلى مكانها,يهاتف أحدهم,يضع سماعة الهاتف,يطبع أوراقا من الحاسوب الموضوع أمامه,يحملها قاصدا غرفة لا يعلم إلا هو ما يفعل بداخلها,يمكث هناك مدة ليست بالقصيرة,يخرج,قيل كم لبثت قال ساعة أو ساعتين.يخرج:
هات ما عندك قال للزبون,يغربل وثائقه ثم يخاطبه:
ليس هنا,سر إلى الخزينة العامة.
لم ينبس الزبون ببنت شفة,قصد الخزينة كما أمره الحاج”ماحج”, في الخزينة يرسلونه إلى القباضة,يبلغ القباضة فتبعث به بالبريد غير المضمون إلى بنك المغربآ !
في بنك المغرب يصعقونه:هناك خطأ في الاسم.
لماذا لم تخبروه يا أوغاد,يا عديمي الضمير,غائبي الشفقة و الرحمة,لماذا لم تجبوه من أول وهلة,و توفرون على المسكين هذه المشقة و مصاريف النقل في هذه المدينة التي يجهلها؟؟
الحاج كما يحلو لهم مناداته,مازال يتجول على كرسيه داخل مكتبه المكيف,طابور من الزبناء منذ الثامنة صباحا وهم ينتظرون,يتقدم الزبون الثاني:
هات ما عندك,يناوله شيخ طاعن في السن شيكا بملبغ زهيد دراهم معدودات.
هاك,يأخذ الشيخ نقوده “سالما”"غانما”,ثم يغادر المكان كأنه مولود عائد من بحر الظلمات,أو الأصح بحر الحاج”ما حج” و أمثاله.
زبون ثالث يقصده.
انتهينا,حان وقت الصلاة اليوم يوم جمعة,لا بد من التوجه إلى المسجد.يحاول الزبون استعطافه:
من فضلك ألحاج إني أسكن بعيدا,وأرغب بالسفر هذا المساء و…و…و…
ألم تقرأ توقيت العمل المعلق بالباب؟اليوم جمعة و عمل الفترة الصباحية ينتهي عند الحادية عشرة و نصف.
أجاب الزبون مع نفسه”ما أنا بقاريء” و خرج و معه العشرات بخفي حنين.الحاج لم يقدم “خدماته” على طول الفترة الصباحية سوى لزبونين؟آ !
في المساء بعد أن صلى الحاج”الله إتقبل”و بعد أن ملأ كرشه بالكسكس”الله إنفع”,لم يأت إلى مقر العمل إلا بعد مرور ساعة عن موعد انطلاق الفترة المسائية,قضى ساعة أخرى أو يزيد في فتح هذه الخزانة و غلق تلك,يدخل هذه الغرفة و يتجه نحو تلك,يأخذ سماعة الهاتف,يهاتف أحدهم أو إحداهن الله أعلم,يتحدث إلى “حاج” آخر في المكتب المقابل,كل ذلك و عشرات الزبناء ينتظرون و ينتظرون و لا شيء غير الانتظار,و في الختام يطرد الجميع بدعوى انتهاء العمل,أي عمل خمسة زبائن في اليوم؟آ !
في نهاية الأسبوع تقدم بطلب إجازة إلى مديره مرفوقا بشهادة طبية تحدد مدة العجز في عشرة أيام,ومن ضمن ما جاء في الطلب:”
سيدي المدير شوف كيدير راني نويت الخير,يسرني أن أتوجه إليكم بهذا الطلب المتواضع مرفقا بشهادة طبية موقعة من طرف الدكتور “ثور”,لأحيطكم علما أني أصيبت بحادث شغل خطير أثناء مزاولة عملي,حيث سقطت من على كرسي المتحرك بينما أنا نائم في مكتبي المكيف,فكسرت يدي اليمنى التي أخدم بها زبناءنا الأعزاء,وأصيبت بخدوش في وجهي البشوش الذي أواجه به زبناءنا الأفاضل”.
استجاب المدير”دير”لطلب الحاج”ماحج”بشهادة شريكهم في العصابة الدكتور”ثور”