منذ أن أعلن المغرب تصميمه الراسخ على السير قدما نحو إقرار فكرة الجهوية الموسعة ، التي نص عليها الدستور الجديد ، في أفق تطبيق مقترح الحكم الذاتي ، ومنذ التزامه بمختلف العهود والمواثيق ذات الصلة باحترام حقوق الإنسان ، وفتح أبوابه أمام مختلف الوفود الحقوقية الأجنبية- بما فيها تلك التي تكن العداء المكشوف للمملكة - لزيارة مختلف المناطق والجهات بكل حرية ،ومشاركته في المجهود الدولي لحفظ واستتباب السلام في العالم ، وكذا انخراطه في مكافحة الإرهاب بالصحراء والساحل وغيرها من المناطق في العالم ، يأتي موقف الولايات المتحدة الأمريكية ،المعروفة بصداقتها الودية والتاريخية مع المغرب، ليسجل تحولا إزاء ملف الصحراء يتماشى مع رغبات اللوبي الأمريكي المعادي للوحدة الترابية الذي مارس ،في المدة الأخيرة، ضغوطات سياسية وخرجات إعلامية كبيرة استهدفت أساسا موقف واشنطن من مسألة الصحراء .
وسواء جاء الموقف الأمريكي بتقديم مشروع قرار ينص على العمل من أجل توسيع مهام "المينورسو"(بعثة الأمم المتحدة في الصحراء وتندوف) لتشمل مراقبة احترام حقوق الإنسان في المنطقة ، استجابة لضغوطات مارستها بعض المنظمات الأمريكية المؤيدة للطرح الانفصالي ، لحاجة في نفس العم سام ، أو فقط من أجل دغدغة عواطف الخصوم ، فإن موقف واشنطن تم التعبير عنه ، مما يفرض على الرباط قراءة الرسالة بالعمق المطلوب ،وتحليلها بالوعي المسؤول، واستخلاص ما يمكن استخلاصه من قرارات ومواقف من المفروض أن تكون جريئة وحازمة ، خاصة أن المملكة المغربية محصنة ومدعمة بإجماع وطني قل نظيره في العالم ، وهو الإجماع الذي تكسرت عليه كافة المناورات والمناوشات التي ما فتئ خصوم الوحدة الترابية المغربية يقومون بها منذ ثمانية وثلاثين سنة ، ولا يحصدون سوى الفشل تلو الفشل.
نص القرار يوجد الآن قيد الإعداد ضمن ما يسمى "مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية" التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية ،بريطانيا،فرنسا، روسيا وإسبانيا، ومن المفترض تقديمه خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي في أواخر الشهر الجاري ،ويتعلق بتجديد ولاية "المينورسو".
وهنا يطرح التساؤل التالي: هل تنساق باقي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وراء أمريكا أم ستمارس حقها في استخدام "الفيتو" ضد القرار الأمريكي ؟ وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى الموقف الفرنسي الذي عبر عنه ، بكل وضوح، الرئيس فرانسوا هولاند، أمام البرلمان المغربي خلال زيارته الأخيرة للرباط بإعلانه تأييد باريس للمبادرة المغربية بشأن حل قضية الصحراء، وردود الفعل المتشنجة ،بل الحانقة التي أثارها لدى خصوم الوحدة الترابية للمغرب سواء في الجزائر أو تندوف.
في مقابل هذا ، لا ينبغي أن ننسى الضغوطات التي ظل مركز كيندي الأمريكي يمارسها ضد الإدارة الأمريكية (الديموقراطية)، وكذا ابتزازات اللوبي المقرب من الحزب الديموقراطي الحاكم ،والمساند للطرح الانفصالي، لحمل الإدارة والحزب الأمريكيين على تغيير موقفهما من المغرب ، بدليل أن أول رد فعل من طرف المركز المذكور عبر عن الارتياح لاتخاذ فرنسا هذا القرار. يضاف إلى هذا موقف وزير الخارجية الأمريكي الجديد، جون كيري، الذي توصف علاقته مع الرباط ب"غير الودية"، إلى جانب أن المغرب سبق أن سحب ثقته من "الوسيط الأممي" الأمريكي كريستوفر روس قبل التراجع عنها، وكذلك التصريحات الأخيرة لهذا "الوسيط" التي ألح فيها على الخصوص على ضرورة الانتهاء من هذه القضية التي طال أمدها.
لكن السؤال الأهم هو : ماذا فعلته الديبلوماسية المغربية؟
الملاحظ أن هذه الديبلوماسية افتقدت إلى الفعالية والنجاعة المطلوبة خاصة في عهد حكومة بنكيران التي شنت حرب طواحين مع الأوهام، وانشغلت في معارك خاوية هنا وهناك لم تجن منها غير السخط والتنديد في الوقت الذي كان من المفروض منها الانكباب على القضايا المصيرية للأمة ، وفي مقدمتها قضية الصحراء التي ينبغي أن تظل في سلم أولويات الحكومية.
وكيفما كان الأمر ، فقد لاحظ المتتبعون والمهتمون بالشأن المغربي مؤخرا التوظيف الممنهج لمسألة حقوق الإنسان ، وهو التوظيف الذي لم يتردد فيه الخصوم من ممارسة التمثيل المسرحي أو السينمائي ، بالشكل القدحي ، في محاولة لإخراج مسلسل التفاوض عن سكته الحقيقية ، وبالتالي إيجاد الذريعة المناسبة للانسحاب والهروب من مضمار البحث عن حل سياسي دائم متفق عليه ومقبول من جميع الأطراف.
ومن المؤكد أن الخصوم ومن يقف وراءهم سيحصدون فشلا آخر على رؤوس الأشهاد. وما الصبح ببعيد.
حمادي التازي