لا نفهم في المغرب سبب الرغبة في تغيير طبيعة المهام الإدارية للمينورسو في الصحراء. لا نفهم ولا نريد أن ندخل إلى أذهاننا أن جهة ما، تريد مراقبة واقع حقوق الإنسان لدينا ولدى البوليساريو وتريد مقارنة الوضعين مع بعضهما البعض.
النكتة ستكون سمجة لو صح الكلام، ومقدار الضحك فيها لن يكون كبيرا على الإطلاق، خاصة وأننا نعرف أن كلمة حقوق الإنسان لم تدخل قاموس الجبهة الانفصالية بعد، ولا يعرف السكان هناك لا معناها ولا مبناها، ولا ماتفيده حروفها. أما المغرب فصراعه منذ السنوات الأخيرة من تسعينيات القرن الماضي، فمن أجل محو الصورة السابقة التي كان خلالها بلدا يمس هاته الحقوق، ورغبته في إفهام العالم كله من منطلق إرادي حر أنه بلد يريد الانضمام لبقية الدول المتحضرة التي تحترم كل حقوق الإنسان وفق ماهو متعارف عليها دوليا
لذلك شعرنا بألم كبير، وشعرنا بخيبة أمل، وشعرنا بطعنة غادرة من وراء الظهر أرادت في لحظة من اللحظات أن تعطي الإحساس أننا والآخرون سواء، وأن المغرب ملزم بأن يضم على أراضيه أو على الأراضي المتنازع عليها قوى دولية تراقب أوضاع حقوق الإنسان وتسهر على حمايتها أكثر مما يفعل هذا البلد ذو السيادة المسمى المغرب.
أصدقاؤنا الأمريكيون، وهم يغيرون سفيرهم اليوم لا شك من أفضل المتابعين لما يقع في البلد، ولا ريب أن أشياء عديدة حتمت عليهم اتخاذ هذا الموقف لصالح توسيع مهام المينورسو في صحرائنا، وهم أيضا مع كل هذا يعرفون أن توصية مثل هاته لن تبتلع بسهولة في البلد. سنذكر ببعض الأشياء التي سيكون الأًصدقاء الأمريكان من علو سفارتهم المطلة على الرباط من ناحية مدخله الآخر قد نسوا تدبيجها في برقياتهم التي تصل وزارة الخارجية في “الستيتس”، وذلك على سبيل التنبيه لا غير، إذ أننا نعلم علم اليقين أنهم يعرفون كل ما سنقوله لهم وأكثر.
نحن هم البلد الذي يسمح لجزء من ساكنة مناطقه الجنوبية أن تخرج حتى مدريد لكي تسب البلد والسلطة، وتعود ليلا دون أدنى إشكال. ونحن البلد الوحيد في المنطقة الذي يوجد فيها ناطقون باسم انفصاليي الداخل، يتحدثون في الجرائد الوحدوية وفي المواقع المختلفة، ويعبرون عن تصورهم للأمور، ويجاهرون بصورهم مع زعيم جبهة الانفصاليين، بل يمرون من لاس بالماس إلى تندوف ويجتمعون هناك بمن يريدون الاجتماع به ويعودون ولا أحد يقول لهم أي شيء.
نحن أيضا البلد الوحيد في المنطقة الذي تعلق فيه رايات الانفصاليين متى شاءت الجزائر وصنيعتها قيادة الجبهة فعل ذلك، ولا أحد في صحرائنا يفكر ولو على سبيل المزاح في متابعة من يقومون بهاته الأمور. لماذا؟ وهل هو ضعف من هذا البلد أم ماذا؟
لا هو اقتناع أن إصلاح صورة المغرب القديمة الخاصة بحقوق الإنسان تمر عبر احترام هاته الحقوق من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. نعم لدينا هفواتنا البوليسية أو الأمنية التي قد تقع في أي مكان، لكننا لم نعد البلد الذي يخرق حقوق الإنسان بشكل منهجي مثلما كنا، وهنا يصبح من حقنا أن نطالب بأن يشمل عمل المينورسو وبقية الهيئات الدولية التي يهمها أمر هاته الحقوق المنطقة ككل, وليس صحراء المغرب وحدها.
نتساءل هنا على سبيل التساؤل فقط لا غير عن حقوق الإنسان الموجودة في الجزائر مثلا. نتساءل ولا نطمع في جواب، فاللعبة مفضوحة وخيوطها واضحة، والهدف اليوم هو ضغط جديد على البلد الوحيد الذي يبدي كل هاته المرونة لأنه يريد الالتحاق بالآخرين، ركب الحضارة واحترام القانون، لا ركب المتخلفين الذي يؤسسون دولهم على قبضة الجنرالات وصرف أموال بترول شعب الجزائر في تمويل الصراعات المفتعلة وخلق المشاكل للجيران.
لذلك نشعر هذه المرة أننا في المغرب صوت واحد في هاته المعركة الجديدة. لا قلة منا قد تفهم التوصية الجديدة، ولا صوت لدينا قد يخرج لكي يقول “أنا أفهم هذه التوصية وظروفها، وأفهم سبب لجوء الأمم المتحدة إليها أو سبب دعم الأمريكان لتوجهها”.
لا, نحن صوت واحد في الرفض, وفي التشبث بأن نتفاهم مع الأمم المتحدة حول كل شيء، وألا تفرض علينا أي قرارات من هذا القبيل. والكل اليوم يقول هذا الكلام، واجتماع الأحزاب السياسية مع المستشارين الملكييين أتى في هذا السياق، والبلاغ الصادر عن الديوان الملكي أكد هذا الكلام، ولغة الشعب واضحة في الموضوع: هذه الصحراء أنفقنا عليها من دمائنا ومن أرواح أبنائنا ومن رزق شعبنا الشيء الكثير، وكل ذلك لئلا تمس وحدة هذا البلد، والبلدان الصديقة الأخرى التي “ترعى حقوق الإنسان بكل هاته القوة” في صحرائنا تعرف جيدا معنى الوحدة الترابية كل في الرقعة التي ينتمي إليها. لذلك وجب التوضيح، فنحن نأتي حتى هاته المواضيع الحاسمة ولا نقبل أي مزاح إطلاقا.