|
|
|
|
|
أضيف في 16 أبريل 2013 الساعة 09 : 12
تفعيل أو تنزيل أو أجرأة الدستور أو ببساطة مجرد تطبيقه...تعددت الكلمات و "تنافست" و المطلوب، السليم والتاريخي، وإذا كانت النوايا صافية... واحد...أن تمتد بنود و فصول الدستور ( بالواضح من منطوقها و بالضمني فيها ) أو تتمدد في النظام السياسي المغربي، في نسيج الدولة، أن تسري في كل سلط المجتمع و مؤسساتها و أجهزتها و تحدد لها ملامحها و آليات اشتغالها و تشدها إلى قاعدة واحدة هي الديمقراطية و توجهها إلى غاية واحدة هي تجويد الحياة العامة.
تاريخ طويل من شك أطراف الفعل السياسي المغربي في بعضها البعض و مساحات شاسعة من انعدام الثقة في ما بينها، و منطق الصراع على التموقع الفاعل في إدارة مغرب الغد عبر العبور السلس من مسام الدستور الجديد...عوامل تحرض على تأجيج حرب التأويل لتطبيقات الدستور بين الأحزاب السياسية، و إدعاء التمترس خلف "التأويل الديمقراطي" له في مواجهة التأويلات المضادة أو "المعادية".
صراع التأويلات المفترضة، حتى و هي تجري، غالبا، لأسباب و في ساحات بعيدة عن موضوعها و قبل أوانها،وفي كلمات مناسبات متفرقة، و أحيانا حتى بفقاعات كلامية طريفة، وهي ليست دائما مضحكة ، تؤشر على حاجتنا لثقافة سياسية جديدة في الأساس المرجعي للفعل السياسي المغربي. ثقافة قوامها اعتبار أن الدستور يختزل مقومات ثقافة سياسية شاملة، موجهة لتدبير الشأن العام، و ليس مجرد قانون يستعان به في السجالات و يحتكم إليه في المنازعات. هذا الدستور اليوم، و قد شارك الجميع في صوغ مضمونه، أضحى موضوع صراع على تملكه و تبني مقاصده و التنافس ( المفترض ) على حسن فهمه و التفوق في تأويل معانيه، لدى القليل من أحزابنا، بينما البعض منها يسعى إلى إفراغ "كيان" الدستور من نسغه الديمقراطي، و البعض الآخر من الأحزاب "الإفتراضية" لا يفهم ما يجري أمامه و لا يعي ما يفعل.قبل اليوم كان الدستور و ما تناسل منه من قوانين آخر ما يرجع إليه في "حراك" السياسة المغربية. و قد يكون ذلك، على ما فيه، الآن، من مآخذ و من نواقص و حتى من سوء نية، مدخل نحو تحول نوعي في الثقافة السياسية السائدة.
إنها الثقافة السياسة الجديدة التي يفترض أن نتيجتها النقلة النوعية في مسار الإصلاح بالمغرب. نقلة إنتاج الدستور نفسه، بما سبقها من مؤشرات و خطوات وأيضا بما مارسه شباب 20 فبراير من إلحاح على تطوير نوعية الإصلاح وتسريع وتيرته. إنها الثقافة الديمقراطية... تلك التي أنتجت الدستور المتقدم، وهي أيضا الكفيلة بحمايته، عبر زرع مفاهيمه و أحكامه في جذر المولد السلوكي للدولة والمجتمع... في تجربة اليسار المغربي، كنا في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي قد رفعنا شعار "دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع"... ربما حينها، كان البعض يرانا مجرد "حلام" ... الشعار اليوم يخترق" التعاقد الاجتماعي" الذي توصلت إليه القوى الفاعلة، السياسية والاجتماعية... وأصبحت تلك "الدمقرطة " المطلوبة هي جسر المغرب نحو مستقبل تقدمه.
غير أنه إذا كان من كابح ثقيل ضاغط على حركية التقدم في البلاد، فهو كابح ضعف المحدد أو الفارز الثقافي للفعل السياسي، والحزبي منه أساسا.
دعك من استقالة جزء هام من مثقفينا أو انزوائهم بعيدا عن الحركية السياسية، و إشاعتهم لمواقف تحقير العمل الحزبي أو أقلا استصغاره ...ذلك موضوع آخر...
أقصد ضعف الوجه الثقافي في مضمون المنتوج السياسي للأحزاب السياسية، أو الشرط الفكري في الممارسة السياسية، و لا ينقص من الملاحظة استثناء هذا الحزب أو ذاك. الحزب بموجب هندسة التدبير السياسي للشأن العام اليوم بات هو الخلية الأساس في النظام السياسي المغربي... الحزب يؤطر سياسيا المجتمع، ينتج نخب التدبير السياسي (الحكومة، البرلمان، الجماعات) وينتج الموجهات السياسية للبلاد على مدى تاريخي.
تاريخنا اليوم، أسند لأحزابنا مهام جسام وفاصلة... و تستدعي أن تؤطرها ثقافة ديمقراطية، تذهب إلى حد النفاذ إلى "اللاشعور الجمعي" مرورا بالوعي والضمير الجماعي لهذا المجتمع... إذ المبادئ الديمقراطية، لا تتفتح وتطلق عبير ورودها إلا وهي تسري في "الأرض" ممارسة سياسية اجتماعية، وأساسا مرجعا ثقافيا لعموم المجتمع وللأفراد، في "أحلام اليقظة" "كما في أفكار الرؤيا". على عكس المعادن والمواد الطبيعية التي تنفد أو تتناقص مع الاستعمال، الديمقراطية، شأنها شأن اللغة، تنمو بالممارسة والاستعمال " والاستغلال". تنضج تلك الثقافة الديمقراطية حين ينتج الصراع السياسي ذلك الفرز الطبيعي بين التوجهات الفكرية وبالتالي السياسية لفرقاء العمل الحزبي، مما يعني أن الممارسة السياسية يكون لها مرجع ثقافي يتضمن تصورات على المدى البعيد وينتج مواقف آنية نابعة منه وتنميه...و بالتالي يمارس التنافس الإنتخابي على أساس المفاضلة بين عروض سياسية و فكرية متباينة و مختلفة...و يؤدي ذلك إلى تمايز واضح بين أغلبية حزبية لها برامج سياسية مغايرة لبرامج أقلية حزبية تمارس المعارضة.
مجهود كبير مطلوب من الأحزاب أن تبذله في نفسها وفي صلتها مع بعضها البعض لتتجاوز الوضع الراهن ولحسن تملك الثقافة الديمقراطية التي أنتجه الدستور وصاغت بنوده. "المقعد"في المؤسسات المنتخبة مهم و وسيلة هامة في العمل الحزبي، غير أنه ليس هو الأهم...كما يبدو عليه حال معظم أحزابنا، المقعد عندها أضحى "مفهوما" موجها لها ولا مفهوم آخر غيره. أكثرية أحزابنا تعيش أزمات وقلاقل داخلية، لا بسبب خلافات فكرية ولا سياسية، إذ تكون مؤتمراتها صادقت بالإجماع على المقررات السياسية والفكرية...تعيشها بسبب تنافسات على المواقع التي تساعد على الوصول المريح إلى "مقعد" ما في أروقة المؤسسات التمثيلية أو الحكومية.أيضا، حسابات عائدات ذلك "المقعد"، و اعتباره الأساس في مكانة الحزب، أنتجت عدم الاستقرار في السلوك السياسي للعديد من أحزابنا وممارستها لتحالفات، سياسوية، وأدت إلى تراجع البعد الفكري الفارز في السياسة... كان لذلك الوضع ما يبرره في اطلاق هذا المسار الديمقراطي ...و ذلك ما لم يعد يتحمله الحول التاريخي لمسار المغرب بكل ما يعد به من دوافع للتقدم.
أحزاب الحكومة "تتقاصف" بجمل التهكم، القصيرة المدى، لا تاريخ سياسي يقارب بينها و لا مرجعيات فكرية و لا رؤى مستقبلية...و علاوة على أن وضعا كهذا يربك العمل الحكومي ( و يفاقم من أزمة االتدبير العام )، فإنه لا يساعد على إنتاج الوضوح في الفعل السياسي بين الإختيارات. و الوضوح الفكري و السياسي، هو المحفز الأول على تنمية المشاركة الشعبية و المصل الضروري للسلامة الديمقراطية للبلد.
أحزاب المعارضة، أغلبها تبدو منهمكة، تهادن بعضها البعض، لا تاريخ "معارض" يجمع ما بينها و لا تلتقي في المرجعيات الفكرية، كما تختلف في الهويات وفي مسارات التشكل و في بواعث عملها و متفاوتة في حرارة الحماس للعمل السياسي أصلا. وبالتالي امكانيات فعل معارض مشترك، واضح و محدد الإختيارات بينها، تبدو ضعيفة، أو غير مؤثرة، إذا لم نقل منعدمة. والحال أن الدستور يتحدث عن دور هيكلي للمعارضة ( كبنية و قوة وفعل ) في "النظام" السياسي، ومكنها من حقوق هامة في إدارة المؤسسات المنتخبة...تحقيقا للتدبير المثمر لصراع الأفكار و التصورات السياسية...و ترسيخا للثقافة الديمقراطية.
على نفس مسار تأويل الدستور وإفراز امتداداته القانونية و ما يتطلبه ذلك من نفس ديمقراطي و إعمال ناجع للثقافة الديمقراطية، يحتاج الحقل الحزبي، و هو الأساس في البنيات الديمقراطية، للإعادة تأهيل في وظائف الأحزاب وفي مواقعها و تحالفاتها وأساسا في وضوح ثقافاتها و مرجعياتها الفكرية. إذ من هنا نفتح للثورة الدستورية المغربية الطريق السيار، نحو إنتاج الثقافة الديمقراطية التي هي المنتج لعوامل وطاقات التقدم.
|
|
2642 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|