هناك من الأحلام التي يمكن أن يستأنس بها المرء ويحقق بها ما يريد من تطلعات، سواء أكانت هذه الأحلام من أحلام اليقظة أو من أحلام النوم العميق.
في موضوع "المغرب الآخر" أحلام يختلط فيها صنف التطلعات،أو بمعنى آخر الإسقاطات التي يطرحها صاحبها على الواقع الجديد المتخيل، لكنها إسقاطات حقيقية. وهذا يكشف، في العمق، نوايا "الحالم".
لا أعرف إن كان من قبيل الصدف أو هو شيء معد له سلفا، أن يأتي موضوع "المغرب الآخر" مباشرة بعد مقال حول "فرنسا الأخرى" ، لصاحبه أبوبكر الجامعي، لكن في ارتباط وثيق بالمغرب. والفرق بين الموضوعين أن الأول يقدم قراءة طوباوية بينما الثاني نوع من تصفية الحساب أو ما تبقى منه مع فرنسا التي يحبها كثيرا.
لقد فضل الأمير مولاي هشام – وهذه صفته الرسمية الحقيقية وإن رفضها- في "مغربه" الذي يحلم به، أن يثير قضايا هي في الحقيقة من بنات أحلامه؛ وله الحق في أن يحلم كيفما أراد. وقد حاول منذ البداية أن يقنعنا بأن المغرب ظل كما هو، أي ما زال مملكة، رغم مرور سنوات من "التغيير" أو من "الثورة" التي شملت البلاد كلها حتى اختلط الحابل بالنابل، بدليل أن نفس الأسماء والألوان ظلت على حالها. وهو ما شبهه الأمير "بالمعجزات".
لما حدثت "الثورة" في هذا المغرب،تراجع الملك إلى الوراء وطلب من أفراد العائلة أن يحذو حذوه بما فيهم هو نفسه الذي أذعن للأمر، ولا نعرف هنا هل يتعلق الأمر بإذعان بحكم الأمر الواقع أم فقط لرغبة يغمرها التعاطف أكثر من شيء آخر.؟ لكن المؤكد أن كاتب الموضوع الأمير مولاي هشام يكشف هنا بالذات عن قناعاته الراسخة بأن الملكية –في استعراضه الحالم- "لم تستنفد قدرتها التاريخية على العطاء في المغرب" على أساس أنها – ورغم حدوث الثورة - يمكن أن تفيد ببعض الشروط التي يؤمن بها حقيقة وليس حلما هذه المرة.
في هذا الإطار، يمسح الأمير،بضربة واحدة، كل الدساتير السابقة، ويمضي في حلمه بتعيين ما سماهم بال"شخصيات "وازنة" (نستثني منهم المناضل الكبير محمد بنسعيد آيت يدر) ل"صياغة قواعد لعبة مؤسساتية" .
الملاحظ هنا أن لائحة الأصدقاء هذه تفتقد لعناصر أخرى تسير في ركابها ،وتدعي هي الأخرى أنها تعرف"خروب" بلادها وهي في الحقيقة لا تعرف لا"سيلغوه ولا عرق سوس لبلاد". هذا النوع من "الأصدقاء" (الحكماء فوق كل شيء)هم الذين سيجعلون المغرب - الذي يسلخونه كل يوم شر سلخة- «ملكية دستورية وديموقراطية يتوجها رمز يجسد الملك فيها الوحدة الوطنية...» لكن الأمير لم يقل لنا هنا من هو الملك؟ هل الأمير - أي أمير - أم أمراء آخرين أم "ثوريون" من مجموعة "الأصدقاء" الذين يعرفون "خروب" البلاد؟
هنا يلتقي "الخروب" ب"الكمون" ، وهو شيء نراه طبيعيا ما دام الأمر يتعلق بالطبخ والطبيخ، خاصة حين يقول الأمير " أن المغاربة لا يقدمون أفضل ما لديهم إلا بعد أن يفركوا فركا. وهذا كلام لو قاله كاتب أو مواطن عاد، لقامت القيامة ضده، لأنه كلام يشير إلى أنه لا بد من سحق المغاربة لكي يعطوا الرائحة كما هو معروف في المنطوق الشعبي الذي يظهر أن الأمير أصبح مهووسا به، على الأخص حين يستشهد في حلمه بكلام "صديق" آخر (بزيز) الذي يبدو أن القطار فاته منذ مدة وما زال المسكين ينتظر ليس في قاعة الانتظار بل على الرصيف،لأن القطار ركبه فكاهيون "واعرين"من الشباب الصاعد.
من ناحية أخرى،اختار الأمير الحل السهل في سهوته الحالمة حينما ،مثلا، اكتشف أن الحل بتحقق "اتحاد المغرب العربي" تم " من الأسفل" وفي "لمح البصر" بخصوص إيمان الجزائريين والصحراويين ،في النهاية، بصواب الاختيار الديموقراطي،والأمير ،ربما هو أكثر من يعرف مقدار الفرق بين هؤلاء وبين المغاربة في الإيمان بالديموقراطية. ولا يجب أن نبخس أنفسنا في هذا المجال.
أما بالنسبة ل"الاختيار الثوري" الذي ظل المهدي بن بركة يرفعه شعارا " دائما أبدا"، فليس هناك أية "صورة شيطانية" عليه ما دام أن الاتحاديين أنفسهم،رفاق وأحباء بن بركة حاولوا جاهدين إقناع بن بركة بضرورة الأخذ بالاختيار الديموقراطي ،فرفض،لأنه كان ومن معه يريدون،بكل بساطة ،القضاء على الملكية التي نقول معك ،في الحلم واليقظة،بضرورة بقائها.
نظن أن الأمر في حاجة جدا إلى عقليات نظيفة قبل الحديث عن "الأيدي النظيفة" التي إن كانت ستقتصر على "مجموعة الأصدقاء والخلان"- على طريقة ما يعرف بالثورات الشعبية الديموقراطية- فلا خير يرجى من ورائها ولا عدل ولا إحسان كما لم يظهر لحد الساعة أي خير مما يسمى ب"الربيع العربي" فبالأحرى من حركات ولدت ميتة هنا وهناك.
حمادي التازي.