عزيز الدادسي.
حاول الأمير هشام في مقاله الأخير حول المغرب بمجلة "بوفوار" أن يتقمص دور رجل المستقبليات لكن خانته المنهجية على ما يبدو ليتحول من محلل استراتيجي إلى رجل الخيال، والإستراتيجية لا تبنى على الخيال والتخيل وإلا أصبحت "الشوافات" من أكبر من ينظر للمستقبل ويرسم الاستراتيجية، فالاستراتيجية في علم السياسة تبنى على معطيات الواقع، وبناء على مؤشرات الواقع الصاعدة والنازلة يتم رسم المستقبل وحتى التحكم فيه، لكن أن تتخيل بلدا في 2018 وترسم له صورة هي مخيلتك ومتمنياتك فهذا لا يمكن أن يتحقق، لأن الصورة المرسومة غير منسجمة مع تطورات الواقع.
فالصورة التي يمكن رسمها للمغرب هي صورة البلد الذي عاش سنوات الرصاص في ستينات وسبعينات وجزء من ثمانينات القرن الماضي، وقاد المصالحة منذ أواسط التسعينات توجت بدسترة المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة لحماية الحقوق ورعايتها، وفي المنحى التصاعدي منذ إدماج المعارضة التاريخية في الحكومة وصلنا إلى أن أصبح الخيار الديمقراطي دستوريا يمنع منعا كليا التراجع عنه، وتحققت مع الدستور نفسه مجموعة مكتسبات وأي تخيل خارجه هو مجرد رغبة في العودة للدرجة الصفر من الحراك الذي لا تحمد عقباه.
في مقاله التخيلي يتصور مولاي هشام أعضاء مجلس تأسيسي متكون من محمد بن سعيد أيت يدر، ونبيلة منيب، وعبد الرحيم برادة، وعبد اللطيف اللعبي، وكريم التازي وأخرون، مخول لهم بكتابة مضامين الدستور الجديد.
لو ذكر مولاي هشام مجموعة من فطاحلة القانون الدستوري وفقهاء الدستوريات وجمع معهم بعض من السياسيين لكان الأمر مستساغا. ما علاقة بنسعيد بالفقه الدستوري؟ وما علاقة المحامي الذي يفهم في القانون وليس القانون الدستوري بالدستور وكتابته؟ ما علاقة المرأة السياسية بكتابة الدستور؟ ما علاقة الشاعر بكتابة الدستور فهل نريد دستورا أم ديوان المتنبي؟
وما علاقة رجل الأعمال بكتابة الدستور؟ دستور تكتبه النخبة المذكورة لن يكون دستورا سيكون أي شيء آخر.
ويقول مولا هشام "عندما انطلقت الاضطرابات التي زعزعت السلطة في المغرب، اكتشف الجزائريون والصحراويون أن مشكل الصحراء أصبح عائقا أمام الديمقراطية وعائقا أمام التنمية للجميع". هل هو توقع للاضطرابات أم تمن لها أم تحريض عليها؟ أم تشفي في المغرب لأن له مشكل إسمه الصحراء. هل نسي الأمير مولاي هشام ان المغرب يسير في شكل تصاعدي نحو بناء دولة المؤسسات التي تضمن الاستقرار.
عندما يتعمق القارئ في مقالة هشام العلوي كما يريد دائما أن يلقب نفسه، يستخلص ثلاث نقاط أساسية، أولها أن الرجل انتهى سياسيا إذا كان يعتمد في التغيير الذي ينشده على أمثال بنسعيد وبرادة ومنيب، وهم أشخاص لم يتوفقوا حتى في حياتهم الخاصة فبالأحرى ديباجة دستور لشعب يزيد عدده عن الأربعين مليون نسمة خلال 2018 الموعودة.
ثانيا فإن الرجل يتبع طريقة التجيييش والتحريض بتوعده لسنة 2018، وهي الطريقة التي اعتمدها كبار المشعوذين وجهابدة الخرافة مثل المشمول برحمة الأحلام عبد السلام ياسين حينما ادعى القومة خلال سنة 2006.
ثالثا وأخيرا فإن كل ما ورد في هذا المقال يجعل من هشام العلوي رجلا اختار صفا آخرا غير الصف الحداثي الديمقراطي، وأن ضرباته المتتالية في خصر المغرب ومساره الديمقراطي لن تزيد البلاد سوى تقدما.