|
|
|
|
|
أضيف في 09 أبريل 2013 الساعة 41 : 21
طالع سعود الأطلسي.
والرباط، في مساء مطير، تعيش لهاثها المعتاد، ساعة "الهرولة" الجماعية للعودة إلى دفئ حميميات الأسر و"هروبا" من صخب ضرورات العيش...كنا ثلة من الذين "غوايتهم" نغم الكلمات، إنقدنا مع أريج قصيدة إلى مدفئة أدبية أوقدتها لنا الشاعرة ثريا ماجدولين، مسؤولة اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، حين استضافت، في "أربعاء الفكر والإبداع"، الشاعر المغربي المتميز محمد بنطلحة، ليفتح لنا رياض "القلق" الشعري الذي يرعى عبير معانيه وألوان كلماته وتغاريد إيقاعه، بحذب بستاني مروج الأمل.
الشاعر المتألق، أخذنا إلى زمن العرب قديما، وأعاد ترتيب الأشهر: في الأصل كان أبريل هو الشهر الأول في السنة... وأعاد ترتيب الفصول: ما نسميه الربيع اليوم كان هو الصيف... وأعاد تسمية الأيام: الأربعاء، اليوم هو ما كان يسمى "دبار"... وحين عاد إلى زماننا، توقف عند هذه المحطة من العبور التاريخي الطويل للعرب نحو جغرافية العصر...
وهو نفسه لاحظ معنى الانتقال وعدم الاستقرار والحركة في دلالة كلمة "عرب"، وتقاربها في المعنى، الناتج عن الجذر اللغوي الواحد، مع عبور، عبير، تعبير، عبارة، براعة، بعير وربيع... وكان لابد وأن يأخذنا معه إلى حيث سؤال الأسئلة حول هذا الذي يوصف بكونه "الربيع العربي"، وهل هو حقا تفتح وعطاء كما يفترض في معنى الربيع، وكما يليق بالإنسان فوق الأرض العربية. ولم يقترح "رأيا"، بل واصل حديثه متسائلا عن سر غياب "سمكة أبريل" (المصاحبة لكذبة أول أبريل) من مائدة هذه الجلسة، فأجابه الشاعر محمد الأشعري بأنها في "الثلاجة".
وأنا أعبر "ثلاجة" الشارع العام عائدا إلى منزلي، بدا لي أن الأنتربولوجيا قد تسعفنا في فك ألغاز، على الأقل، جزء من وقائع يومنا العربي هذا. هذه "الثورات" التي لا تشبه الثورات.
هي فعلا تشبهنا وحدنا من حيث طبيعتنا غير المستقرة لا في الأمكنة و لا في المسارات و لا من حيث مشاعرنا المتقلبة و الانتقالية دوما.
لنقم بجولة في جغرافية هذا "الربيع" وهذا الوضع العربي الاستثنائي.و لندع المغرب خارج جغرافية هذه الجولة. لا أحد ضمنا إلى "كوكبة بلدان الربيع العربي. ذلك لأن المغرب شكل استثناءا في هذا الاستثناء ... أنجز ثورته الدستورية وحقق نقلة نوعية في مساره الإصلاحي، بسلاسة وبتوافق وطني وقدر كبير من حكمة قيادته ومستوى عال من نضج حركته السياسية... غير أن تلك الثورة مد في التاريخ وليس مجرد حدث في السياسة...لها متطلبات للتحقق و توابع و تداعيات. لذلك يطلب من رئيس الحكومة أن يغادر المستنقع، الذي يرى نفسه فيه، ويكف عن، أو يفرغ من، مصارعة التماسيح والأفاعي، ليعكف على إخراج الدستور إلى الهواء الطلق الاجتماعي والسياسي، ويملأ أوردته بالقوانين التنظيمية المنتجة لمعاني الإصلاح والمحركة لانخراط وطني في حركية التقدم.
تونس، مئات القتلى وشلال كلام عن الثورة أو أدعية وابتهالات، وتناسل خلوي للثوار وللأحزاب... وأشهر مديدات... والبلاد لازالت على موقد والحطب لا ينفك يؤجج نيرانه...وتجاذب حاد بين شطري مجتمع وشطري دماغه... والناس ما بين آسف على ما جرى، ومعتذر عن ما جرى، أو فرح لما جرى أو غير قانع بما جرى أو غير معني أو غير فاهم لهذا الذي جرى. ومنسوب عدم الثقة في ارتفاع.. بين الواحد والكل وبين الواحد والواحد وبين الواحد مع نفسه وبين الكل و الحاضر والكل والمستقبل. الهيئة التي ستشرف على الانتخابات يجري الآن الإعداد لانتخابها ( سلطة أخرى منتوج عدم الثقة ) والدستور لم ير النور بعد والثورة باتت في حاجة إلى ثورة.
مصر، كما لو أنها، تعيش حتى الآن أجواء زمجرة ما قبل الثورة... النظام مطلوب منه أن يسقط و"الرحيل" شعار مركزي، بعد أن استبدلت حكم "الأهل" المباركين بحكم "الإخوان" المبروكين... كما لو أن حركة "ثورة التحرير" كانت إلى الخلف وليس للتقدم.
اليمن، بعد مئات القتلى وعشرات الجمعات بكل المسميات،توصلت الثورة إلى منح رئيس البلاد السابق حصانة مدى الحياة و إجازة مفتوحة ومؤدى عنها وبكل التشريفات المناسبة، وبقي "النظام" في نظامه ليفتح باب حوار يجري التحاور من أجل بدئه...لا دستور جديد في الأفق، و النظام على ما كان عليه من تداخل بين القبلي و العسكري.
" ثورة" ليبيا الموجهة عن بعد، وبعد قتل عشوائي وبالجملة ودمارا زاد البلاد دمارا، أسفرت عن توزيع السلطة بين القبائل... و اللجان التي كانت في كل مكان استبدلت بوضع السلاح في كل مكان وفي يد كل إنسان. لينصرف "الثوار" إلى الإستمتاع بقرار منع " منع تعدد الزوجات" وهو ما كان هدية لزعيمهم إلى شعبه في أول خطاب له بعد "التحرير".
سورية حالة أخرى لا علاقة لها بكل ما سبق... بدأ الأمر ثورة ضد الاستبداد وينتهي اليوم إلى توليد الاستبداد ضد الثورة ومن داخلها... القوى الديمقراطية همشت.. والصراع أضحى دوليا وبلا أفق غير المزيد من الخراب . ولا مصلحة "للثوار" و"المجاهدين" في وقف إنتاج االدمار في البلاد وفي المجتمع، لأنهم منهمكون في ممارسة "نكاح الجهاد" الذي تتطوع شقيقات عربيات ومجاهدات في ممارسته لفائدتهم طلبا لمتعة الدنيا وثواب الآخرة.
في المحصلة...هذا "الربيع العربي" يواصل نسج تاريخيته...و لربما يحتاج لسنوات من المخاض، لكي يستكمل مقومات "نوعيته"، و ليستقر على طبيعة تتوقف عن توليد تفاعلات وانعراجات و إعادات تشكل...و لكي يتضح ما تحقق من الموعود في الثورات و ما إذا كانت هي نفسها قد وأدت أحلام "ربيعها"... وكل ذلك يتوقف على أن يقول التاريخ – بعد فترة من التاريخ- ما إذا كان ما نعيشه اليوم في هذا الوطن العربي ... ثورة واعية، انتفاضة تلقائية، رجات اجتماعية أو أساسا فوضى "خلاقة" موجهة عن بعد، أو مجرد فوضى... أو كل هذا دفعة واحدة.
مؤخرا قرأت خبرا عن كتاب ، استوقفني عنوانه الذي يقول: "الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ". وحسب الخبر، الكتاب ينطلق من إشكالية أساسية هي كيف يمكن "تفسيرالتحولات الجارية في دول الربيع العربي على قاعدة فلسفة التاريخ الهيجلية؟"... الخبر في الجريدة يواصل "بأن الكتاب يخوض في غمار المقاربة الفلسفية الشائكة والمفتوحة على مزيد من الاحتمالات المستقبلية".
لست ضد طرح الإشكاليات ولا ضد الفلسفة، ولا ضد التاريخ ولا ضد هيجل... غير أني لا أرى مبررا معقولا بأن نأخذ "ربيعا عربيا" مفتوحا على كل الاحتمالات، إلى مستعجلات فلسفة التاريخ و هو مازل طريا و مبللا بعرق الركض نحو مستقره... وتلك "الفلسفة" التي لا تعالج إلا الإشكالات الموغلة في التاريخ والمثقلة بإسقاطاته.
إنما أسوق هذا المثال ،لأخلص إلى أنه يعبر عن حالة من الذهول، التي أصابت نوعا من مثقفينا، أمام "فوران" شعبي عربي لم يكن في وارد "ثقافتهم" ولا في آفاق "تحاليلهم" وجرى بعيدا عن مختبراتهم النظرية وعن مواقع تأملاتهم إذا لم تكن مواقع تفرجهم... فسارعوا إلى اللهاث وراء الأحداث في محاولة لف الربيع "العظيم"، "الباهر" و "التاريخي"... لفه بأعظم النظريات وأكثرها أصالة تاريخية وأقواها جاذبية وأعقدها فلسفيا... ليزيدوا ما نحاول فهمه غموضا و ما نحاول تبسيطه تعقيدا، ويزيدوا ما نحاول الإمساك به بعدا عنا.
إزاء ما يجري أمامنا، لا نملك إلا نلوذ إلى الشعر و به...لأنه يمكننا من "اختلاس الأمل"...حين تدلهم الخطوب و تسود الأحلام و يفتقد "الربيع".
|
|
2733 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|