المغاربة المقيمون في إسرائيل. عبارة صادمة بالتأكيد. لم نألفها. وسنحتاج وقتا طويلا كي نستأنس بها. إنما هي واقع لا يهرب منه غير جاهل أو محترف قومية.
خالد السفياني، الذي لا نطعن في غيرته على فلسطين، مثل مغاربة كثيرين، غاضب للغاية من إدريس اليازمي، رئيس مجلس الجالية، كونه اعترف لمغاربة إسرائيل بوطنيتهم، مع العلم أن الرجل لم يفعل غير التذكير بأمر واقع: الجنسية المغربية لا تسقط، وآلاف الإسرائيليين من أصل مغربي يحتفظون في قلوبهم بالكثير من الحنين إلى الأصل. من شاهد روبورتاجا أنجزته الزميلة غزلان الطيبي، الصحافية في قناة دوزيم، من “إسرائيل” لا بد أن يندهش لشهادات ومشاهد تجعل المرء يتساءل: هل نحن في اسرائيل أكيد!
الاختلاف مع السفياني في تعامله مع “المطبعين” لا يعني الطعن في نيته الصادقة. هو، وكثيرون من أمثاله، يحملون وجهة نظر حول القضية، وآخرون يحملون وجهة نظر أخرى. إذا كان الفلسطينيون يختلفون حول قضيتهم فكيف للمغاربة أن يكونوا على رأي واحد!!
غير أن غير المقبول في رأي السفياني هو التوجه نحو “شيطنة” من يعتبرهم مطبعين، مع العلم أن التطبيع صار مفهوما فضفاضا. هل نقصد به الاعتراف بكيان اسرائيل؟ هل نقصد به الاعتراف بالأمر الواقع؟ هل نقصد به التعامل مع “الصهاينة” على حساب الحق الفلسطيني؟ هل نقصد به التعامل مع “الإنسان”؟ هل نقصد به التخلي عن الهم الفلسطيني مقابل الإشادة بالديمقراطية الفلسطينية؟ لا أحد يستطيع التدقيق الآن… على الأقل.
ما لا يريد أن يفهمه السفياني، ومعه أغلب محترفي القومية العربية، هو أن الواقع تغير. إسرائيل أمر واقع، وهي دولة قائمة الذات، شئنا أم أبينا، ولا يمكن أن تزول بالحلم وبـ”خيبر خيبر يا يهود”. ومفهوم “القضية الفلسطينية” تغير، والحق الفلسطيني لا يمكن دعمه بـ”يا شهيد ارتاح ارتاح”. وقبل هذا وذاك، الواقع أكبر منا جميعا.
القضية الفلسطينية هم إنساني وليس عربيا أو إسلاميا فقط. وأكثر، ربما، ما أضر بهذا الشعب الذي عانى العقود، هو أن العقل العربي المتحجر ركن القضية في خانة القومية الضيقة الديكتاتورية… المتحجرة أحيانا، ولم يجتهد ليجعلها هما إنسانيا، فليس شرطا أن تكون مسلما أو عربيا حتى تبكي بسبب ما عاشه الشعب الفلسطيني.
صراحة، لست ممن يعشقون الخروج في مظاهرات دعم فلسطين، بل الأمر صار يغيضني للغاية. والشعارات المتباكية ما عادت تعنيني في شيء، بل تستفزني للغاية. وحتى الكوفية الفلسطينية فقدت مغزاها حين صارت على عنق “من لا هم له”…
لا أجد حرجا في الإعلان: لولا عقدتي مع الطائرة لزرت إسرائيل… لأرى وأسمع وأتكلم… ولأشرب شايا مغربيا في قلب تل أبيب، ولأسمع الدارجة المغربية، ولأسمع الدعاء بالرحمة لمحمد الخامس والحسن الثاني، ولأسمع الدعاء بالنصر لمحمد السادس.
هذا أمر يثيرني، ولتذهب السياسة إلى الجحيم، لأن الكثير من التاريخ لم نفهمه، ولا يبدو أنه بمجرد الاستماع إلى مواقف السفياني سنفهم ما حدث.