توحد نشاز النغمة الجزائرية، على نوتة واحدة، بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إلى المغرب، واستعان قائد أوركستر العقدة المغربية ( بالمعنى النفسي) ، التي تقف غصة في حلق حكام قصر المرادية، بمنبوذي العهد الجديد، الذين لم يجدوا موطأ قدم في النموذج الديمقراطي الذي اختاره المغرب، لأنهم ألفوا السباحة في المياه الآسنة، ومراكمة الثروات من وراء تأجير أقلامهم وأفواههم...
ولم تعثر الصحافة الجزائرية على منْ تستعين به بمناسبة هذه الزيارة، سوى بنكي تحوّل فجأة إلى صحفي، بعد أن تلقى تكوينا داخل المؤسسة السجنية التي دخلها بتهمة الاختلاس وخيانة الأمانة، ليستمر في الخيانة، هذه المرة لوطنه، فأعطى حوارا صحفيا لموقع جزائري يكشر فيه عن أنياب الاستعداء للبلدين معا، معتقدا أن العلاقات بين الدول يحكمها منطق العصابات، التي تربى في أحضانها، لا منطق المصالح والشركات الإستراتيجية...
الشيء الوحيد الذي كان صادقا فيه، هو أن العلاقة بين المغرب وفرنسا لا تتبدل بتغير الرؤساء أو الأحزاب التي تتداول على الحكم... هذا صحيح جدا، لأنها ( العلاقة) أكبر من أن تتحكم فيها أهواء الأشخاص أو إيديولوجيات الأحزاب، مادامت هذه العلاقة لا تقوم على الأهواء بل تقوم على أسس تعود إلى أزيد من قرن من الزمن، وبالتالي فهي لا تخضع لمنطق الابتزاز والارتشاء بل لفلسفة الصداقة الدائمة.
وككل الصداقات، فإن في هذه العلاقة الكثير من الحب والعطف والالتفاتات، ولقد خيب فرانسوا هولاند آمال الذين وجهوا له العديد من الرسائل من أجل الضغط على الرباط، سواء في مجال حقوق الإنسان أو في قضية الصحراء، لأنه يعلم جيدا أن المغرب يسير بثبات ـ وبكل حسن النية ـ نحو ترسيخ خيار حقوق الإنسان، رغم كل الفلتات التي قد تصدر عن أشخاص لم يتشبعوا بعد بالمفهوم الجديد للسلطة ولم يستوعبوا ديباجة الدستور الجديد، وليقينه التام أن هذه الفلتات ليس سياسة ممنهجة.. أما قضية الصحراء فقد كان حاسما فيها، وكرّر أمام أسماع الجميع الموقف الثابت من هذه القضية ليس انحيازا للمغرب، وإنما تأكيدا لموقف فرنسا الدائم لأنها تعرف حجم الظلم الذي لحق بالمغرب في هذا الملف بالضبط.
في مثل هذه العلاقات ليس هناك لي ذراع أو ضغط.. هناك فقط الصداقة، والتقدير، والاحترام، وحتى حين تعبر غمامة صيف في سماء هذه العلاقات فإن هذه المفاهيم تبقى في مكانها تماما كالمبادئ الثلاثة التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية.